منتديات معتصم أقداوي للثقافة والتراث النوبي
مرحبا بك في ‏منتديات معتصم أقداوي للثقافة والتراث النوبي
منتديات معتصم أقداوي للثقافة والتراث النوبي
مرحبا بك في ‏منتديات معتصم أقداوي للثقافة والتراث النوبي
منتديات معتصم أقداوي للثقافة والتراث النوبي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتديات معتصم أقداوي للثقافة والتراث النوبي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 ملوك وملكات السودان القديم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
معتصم محمد
عضو ماسي
عضو ماسي



عدد المساهمات : 297
تاريخ التسجيل : 02/12/2010

ملوك وملكات السودان القديم Empty
مُساهمةموضوع: ملوك وملكات السودان القديم   ملوك وملكات السودان القديم Icon_minitimeالجمعة ديسمبر 17, 2010 7:19 am

الملك اواوا
الملك الارا
الملك كاشتا
الملك بيا
الملكة أماني ريداس
الملك شباكا
الملك شبتاكا
الملك تهراقا

الملك تاتوت اماني
الملك اتلانيرسا
الملك سنكامنسكن
الملك انلاماني
الملك اسبالتا
الملك يريكي امانوتي
الملك هارسيوتف
الملك نستاسن

الملك اركماني كو
الملك امانيسلو
الملك ارن خاماني
الملكة شناكد اخيتي
الملك تانيد اماني
الملكة اماني ريناس
الملكة اماني شاخيتي
نتكاماني و اماني تاري
الملك شيرا كارير

أواوا 1850 ق.م.

هو أقدم ملك كوشي معروف لنا بالاسم. عثر علماء الآثار على اسمه مكتوب بالحبر على أجزاء من تمثال فخاري مهشم لأسير مقيد. صنع المصريون التمثال في حوالي 1850 ق.م. وهشموه عن قصد. اعتقد المصريون أنه في حالة صنع مجسد للعدو، وكتابة اسمه عليه، ومن ثم تهشيمه، فإن ذلك سيلحق به الأذى أو يقتله عن طريق السحر. ورغم أننا لا نعلم شيئاً عن أواوا، فإنه قد سمي "حاكم كوش". لا بدَّ وأنه كان بلا شك أحد الملوك الكوشيين الأقوياء الذين حكموا في كرمة عندما شيد المصريون قلاعهم في النوبة السفلى. غالباً ما يكون جنود أواوا قد شنوا هجوماً على المصريين، ولذلك فقد رغبوا في إيذائه - عن طريق السحر، طالما أنهم كانوا عاجزين عن إلحاق الأذى به

الارا 790- 760 ق.م.

هو الملك الأول المعروف من ملوك مملكة نبتة. بعد سنوات عديدة أعقبت وفاته، تضرع الملوك الى الإله آمون بأن يهبهم عمراً مديداً وحكماً مزدهراً مثل الذى وهبه الى الارا. نعلم من النقوش أنه أصبح ملكاً بعد صراع مرير مع منافسيه، وأنه كرس نفسه لعبادة آمون. يعتقد علماء الآثاريون أن النقشين الذين تم الكشف عنهما في معبد آمون في كوة "الواقعة على الضفة الشرقية لمدينة دنقلا العرضي"، ينتميان الى الارا. يشير النقشان الى أنه حكم على الأقل لمدة 23 سنة. ويرى الآثاريون أنه سيطر على كامل النوبة العليا وجعل من مدينة نبتة (جبل البركل) عاصمة دينية لمملكته.
كاشـتا 760- 747 ق.م.

أصبح كاشـتا ملكاً بعد الارا وكان أخاً له في الغالب الأعظم. نجح في مد حدود كوش شمالاً حتى أسوان، الحدود الجنوبية لمصر. عثر الآثاريون على أثر بالقرب من أسوان لازال يحتفظ بصورته. في هذا الحجر يسمي كاشـتا نفسه "ملك مصر العليا والسفلى"، وهو اللقب الذى استخدمه فراعنة مصر. وبالرغم من أن كاشـتا قد لا يكون محتملاً وصوله إلى الأراضي المصرية وفرض سيطرته الفعلية عليها، فإنه والد بيَّا (بعانخي)، الذى سيقدر له غزو مصر والسيطرة عليها بعد انقضاء سنوات قليلة على وفاة والده. كان كاشـتا أيضاً والداً لـ أماني ريديس، وهى الأميرة الكوشية التى أصبحت زوجة للإله آمون في طيبة وصارت تعرف بلقب "زوجة الإله بيا بعانخي


أمانى ريديس 740 ق.م.
كانت أمانى ريديس أميرة كوشية وابنة للملك كاشـتا. في حوالي سنة 740 ق.م.، وصلت إلى مصر بصحبة أخيها بيَّا (بعانخي) وأصبحت "زوجة" للإله آمون الطيبي في مصر. هناك أقلعت عن استخدام اسمها الكوشي (وهو غير معروف) واتخذت لنفسها الاسم المصري "أمانى ريديس" (الذى يعنى: ما يخلقه آمون، فإنها تهبه). وبالرغم من أنه لم يكن بمقدورها أن تتزوج رجلاً من الأحياء غير الخالدين، فإنها أصبحت "الزوجة الإلهية" على مدى أربعين عاماً. كانت من حيث المرتبة في وضع ملكة وإلهة حية. كانت مسئولة عن مصر العليا نيابة عن أخويها بيَّا وشباكا وابني أخويها شبتاكا وتهارقا. أصبحت ابنة أخيها بيَّا " شبينوت" زوجة الإله آمون التالية بعدها.

شباكا "شباكو" 716- 702 ق.م.

كان شباكا أخاً لـ بيَّا. أصبح ملكاً لكوش ومصر بعد وفاة بيَّا. غالباً ما تكون مراسم تتويجه قد جرت في نبتة. عندما ثار أمراء شمال مصر، أعاد غزو مصر وجعل ممفيس عاصمة للبلاد. ولأن شباكا كان الملك الكوشي الأول الذى جعل مصر مقراً له، فإن الأجيال اللاحقة اعتقدت بأنه مؤسس الأسرة الخامسة والعشرين المصرية. لدى وفاته، حنط جثمانه احتمالاً في مصر، ونقل الى آلاف الأميال جنوباً ليجد مثواه الأخير في هرمه الصغير في جبانة الأسرة بالقرب من نبته في الكرو جنباً الى جنب مع أسلافه
شبتاكا "شبيتكو" 702- 690 ق.م.

شبتاكا (الذى وجد اسمه أحياناً في صيغة شيبتكو) كان ابناً إما لـ بيَّا أو لـ شباكا، ولازال علماء الآثار في حالة عدم يقين حول الموضوع. بمجرد أن اعتلى العرش وأصبح ملكاً وجد نفسه يواجه أزمة تمثلت في الغزو الآشوري القادم من شمال العراق للأراضي الممتدة على ساحل البحر الأبيض المتوسط. أحس شبتاكا بأن أرضه أصبحت مهددة، بالتالي ضم قواته مع ملوك إسرائيل والأقاليم المحيطة بهدف محاولة وقف الزحف الآشوري. بل أنه أرسل طالباً المزيد من القوات لجيشه من الوطن، أي من كوش، ونصب تهارقا (ابن أخيه) قائداً للجيش. ورغم أن جيش شبتاكا لم يتمكن من هزيمة الآشوريين، فإن الغزاة اضطروا للتراجع عندما ألم بجنودهم مرض أدى إلى موت العديد منهم. أدى ذلك إلى إنقاذ مصر. توفي شبتاكا غالباً في مصر. دفن في جبانة الأسرة مع أسلافه في الكرو بالقرب من نبتة


تهارقا 690- 664 ق.م.

كان تهارقا أحد أبناء بيَّا وغالباً ما كان شقيقاً لـ شبتاكا. طلب شبتاكا من تهارقا تولي قيادة الجيش وهو لازال في سن العشرين. كان تهارقا محارباً عظيماً وخاض غمار العديد من المعارك ضد الآشوريين. عندما توفي شبتاكا، أصبح تهارقا ملكاً وتم تتويجه في مصر. مع أن تهارقا لم ير والدته منذ أن كان صغيراً، لكنه أكد على ضرورة حضورها مراسم تتويجه. تحصل الآثاريون على الكثير من المعلومات من نقوش حجرية تم العثور عليها في كل من السودان ومصر. وقد كتب أعداؤه الآشوريون عنه أيضاً, وذكر مرتين في الكتاب المقدس الذى سماه ترهاقا (وهو النطق الخاطئ الذى نال شيوعاً ووجب تصحيحه كما نوهنا في الصفحة الرئيسة).

في حوالي 684 ق.م. ارتفع منسوب النيل خلال فيضانه السنوي بصورة غير معهودة من قبل. وقد جلب ذلك محصولاً استثنائياً انعكس إيجابا على ثراء المملكة. أمر تهارقا بتشييد العديد من المشروعات، وأعاد مجدداً بناء العديد من المعابد. كانت السنوات الأولى لحكمه قد شهدت ازدهاراً هائلاً، لكن السنوات الختامية شهدت كوارث. ففي حوالي 671 ق.م. بدأ الآشوريون في شن الهجمات على مصر بصورة متكررة سنوياً. في البداية حققت قوات تهارقا انتصاراً في المعارك، لكن الآشوريون سرعان ما تمكنوا من السيطرة على هجمات القوات الكوشية-المصرية. احتل الآشوريون ممفيس وأسرت قواتهم زوجة تهارقا وابنه. تراجع تهارقا إلى نبتة حيث توفي هناك في سنة 664 ق.م. ودفن في جبانة جديدة أنشأها في نوري. بلغ ارتفاع هرمه 150 قدماً وكان الأكبر من بين الأهرام التى شيدت في كوش
تانوت أماني (تالتاماني) 664- 653 ق.م.

(يسمى أيضاً تانوت أمن و تالتاماني) كان أحد أبناء شباكا. أصبح ملكاً بعد وفات عمه تهارقا. بعد أن تراجعت أشور عن مصر قام بغزو مصر مجدداً كما فعل والده وجده بيَّا من قبل. وصف الغزو سجل في مسلة (أي لوح حجري حفر فيه نقش) عثر عليها في جبل البركل، توجد الآن في المتحف المصري بالقاهرة. يصف تانوت أماني في تلك المسلة مراسم تتويجه في جبل البركل. ويكتب أيضاً عن حلم راءه. في ذلك الحلم يقول تانوت أماني أنه رأى أفعتين. واقتنع بأن الأفعتين مثلتا أفعتي التاج الملكي لكوش ومصر. واعتقد بأن حلمه يشير إلى أن سيحكم كل من كوش ومصر. وقد نجح في تحقيق حلمه ولو أن ذلك كان لفترة قصيرة لم تتجاوز السنتين.

عندما علم الملك الآشوري اشوربانيبال بأن الكوشيين أعادوا سيطرتهم على مصر جن جنونه وأرسل على الفور جيشاً جراراً للانتقام. تراجع تانوت أماني إلى كوش. هاجم الآشوريون مدينة طيبة في جنوب مصر، وقتلوا العديد من الناس ونهبوا أماكنها المقدسة. بعد ذلك لم تطأ أقدام الملوك الكوشيين مصر. استمر تانوت أماني ملكاً في كوش حتى وفاته حيث دفن في جبانة الأسرة في الكرو. عثر الآثاريون على حجرات دفن رائعة في مدفنه. التمثال الوحيد لهذا الملك عثر عليه في جبل البركل ويوجد حالياً في متحف توليدو للفنون الجميلة، لكن وللأسف بدون رأس


اتلانيرسا 653- 640 ق.م.
غالباً ما يكون اتلانيرسا واحداً من أبناء تهارقا. غير معروف سوى القليل عن فترة حكمه. احتمال كبير أن يكون اتلانيرسا هو ملك كوش نفسه الذى كتب عنه المؤرخ الإغريقي هيرودوت. فقد تحدث هيرودوت عن ملك حرض جنود الحامية المصرية الليبيين في جزيرة الفنتين وساعدهم على التخلي عن ملك مصر والهروب جنوباً إلى كوش. وقد وعد الملك الكوشي الجنود بأنه في حالة نجاحهم في القضاء على أعدائه في الأطراف الجنوبية لمملكته، فإنه يحق لهم الاستيلاء على أرضهم والاستقرار فيها. هكذا هرب الجنود الليبيون من مصر وذهبوا للعمل عند ملك كوش، ودمروا أعداءه، واستولوا على أرضهم، وبنوا مدناً لهم في تلك الأراضي. بعد ستة قرون لاحقة ذكر الكتاب الرومان بأن أحفاد أولئك الجنود لازالو يعيشون في تلك المدن في وقتهم، ولهم حكامهم الخاصين التابعين لملك (أو ملكة) مروى.

اتلانيرسا معروف من تمثاله الضخم الرائع المنحون من الجرانيت والذي عثر عليه في جبل البركل، والموجود حالياً في متحف بوسطن للفنون الجميلة. احتمالاً أنه توفي بصورة مفاجئة ذلك أن كل من معبده في البركل ومدفنه في نوري بقيا غير مكتملين عند وفاته
سنكامنسكن 640 - 620 ق.م.

مثله مثل اتلانيرسا، فإن سنكامنسكن معروف فقط من آثاره لكن ليس من نقوش تاريخية. أكمل بناء معبد صغير في جبل البركل كان قد شرع في بنائه اتلانيرسا. بالقرب من بوابة المعبد قام سنكامنسكن بوضع تمثال ضخم، ارتفاعه حوالي 4 أمتار، وهو موجود حالياً بمتحف السودان القومي للآثار في الخرطوم. عثر المنقبون في جبل البركل على ثلاثة تماثيل أصغر الى جانب أبى هول يمثل الملك. عاشت زوجته الرئيسة، الملكة ناسالا، من بعده. وهى أم أيضاً لابنيه الذين قدر لهما أن يصبحا ملكين.


أنلاماني 620 - 600 ق.م.

كان أنلاماني شقيقاً لسنكامنسكن. تعرف الآثاريون على أنلاماني من مسلته المنقوشة التى تم الكشف عنها في كوة (الواقعة على الضفة الشرقية للنيل بمواجهة دنقلا العرضي). تصف المسلة مراسم تتويجه. تحدثنا أيضاً عن قراره الخاص بجعل أربع من شقيقاته "عازفات صلاصل" في المعابد القومية الأربعة لآمون (الصلصل هو آلة موسيقية مخشخشة تستخدم في الطقوس الدينية "كشكوش"). واعتقد الناس بأن صوت الصلصل يجعل الآلهة في حالة نفسية جيدة. تم اختيار النساء من العائلة المالكة لعزف تلك الآلات في المعابد. يصف نقش أنلاماني أيضاًُ حملاته العسكرية ضد قبائل الصحراء التى يسميها بولاهايو. أسر رجالاً ونساءً منهم وجعلهم يعملون خدماً في المعابد. عثر المنقبون على تمثالين لهذا الملك في جبل البركل. واحد من التمثالين بالحجم الطبيعي وموجود حالياً بالمتحف القومي للآثار في الخرطوم. والثاني يبلغ ارتفاعه 12 قدماً وهو حالياً في متحف بوسطن للفنون الجميلة. في عام 1920 نقب الآثاريون قصر أنلاماني في جبل البركل وعثروا على قاعة عرشه الفعلية


أسبالتا 600 - 580 ق.م.

كان أسبالتا شقيقاً لـ أنلاماني. أصبح ملكاً بعد وفاه أنلاماني. طبقاً للأشياء المكتوبة خلال عهده، لم يكن كل شخص يسعد بأن يصبح ملكاً. في العام الثاني لحكمه، واجه مشاكل مع بعض الكهنة وأمر بقتلهم. بعد ذلك بفترة وجيزة، وتبريراً لقتله الكهنة، قدم هدايا كثيرة للمعبد وشيد مدافن لبعض الرسميين الذين توفوا منذ أزمان طويلة والذين لم تكن لهم مدافن.

في وقت مبكر من فترة حكمه يبدو أن أسبالتا فكر في غزو مصر مجدداً. هاجمه الملك المصري بسامتيك الثاني بداية. طبقاً للنقوش المصرية، قام بسامتيك الثاني بغزو كوش بجيش مؤلف من المصريين والمرتزقة الإغريق. هزم القوات الكوشية وسار لمهاجمة "مدينة تسمى الجرف"، والتي غالباً ما تكون نبتة وجبل البركل. بعد هذه الواقعة، نقل أسبالتا في عام 593 ق.م. عرشه جنوباً إلى مروى (البجراوية). يوجد تمثال ضخم من الجرانيت لهذا الملك حالياً بمتحف بوسطن للفنون الجميلة، ويوجد أبوهول له في المتحف القومي للآثار في الخرطوم. هرمه الموجود في نوري يعد من أفضل المدافن والأكثر اكتمالاً من بين المدافن الأهرام الملكية الكوشية، وهو أقلها تعرضاً للنهب. عثر المنقبون على العديد من المجوهرات الرائعة والجرار المصنوعة من الذهب والألباستر في مدفنه. تلك المكتشفات موزعة الآن بين متحفي بوسطن للفنون الجميلة والسودان القومي للآثار بالخرطوم.

يريكي أمانوتي 430 - 400 ق.م.

أحد الملوك القلائل المعروفين بعد أسبالتا وهو مشهود بكتاباته. السبب في ذلك أن القلة من الناس في كوش، بعد عهده، تذكروا القراءة والكتابة باللغة المصرية. يريكي أمانوتي معروف من النقوش المصرية، التى تركها في أوقات مختلفة من فترة حكمه في معبد آمون بكوة (الضفة الشرقية للنيل بمواجهة دنقلا العرضي). تخبرنا تلك الكتابات أنه اعتلى العرش عندما كان شاباً (عمره حينها 41 سنة) وأنه حكم على الأقل لمدة 25 سنة (ما يعنى أنه عاش على الأقل 66 سنة). يقول لنا أنه مباشرة قبل تتويجه رسمياً ملكاً، بدأ البدو إلى الشمال من مروى في الانتفاض وأنه توجب عليه شن الحرب عليهم. فقط بعد ذلك أصبح قادراً على الذهاب إلى نبتة وجبل البركل لمراسم تتويجه.

لاحقاً قام برحلة من نبته بأسفل النهر لزيارة الشمال. في هذاك الوقت، ثارت قبيلة بدوية أخرى تسمى المدد. عندها أرسل جيشه للاستيلاء على أراضيهم وأسر أهلهم للعمل خدماً في المعابد. يعتقد البعض من الباحثين أن يريكي أمانوتي قد يكون ساعد المصريين في مقاومتهم للغزو الفارسي في 414 - 413 و 404 ق.م. شيد هرماً لنفسه في نوري وهو الأكبر في تلك الجبانة الملكية. للأسف لا توجد صور لهذا الملك
هارسيوتف 390 - 350 ق.م.

معروف من مسلة منقوشة بالكتابة المصرية وجدت في جبل البركل. صنعت هذه المسلة بعد أن حكم هارسيوتف 35 سنة (وهى فترة الحكم الأطول المعروفة بالنسبة للملوك الكوشيين). يصف النقش أحداث عهده. تكشف عن أنه ظل يحارب بصورة مستمرة سكان الصحراء في مملكته. يسجل أنه في فترة ما سيطر البدو على مروى، حاضرة عرشه. يتحدث أيضاً عن الحملات التى يشنها جيشه في الصحراء، وعن أسر بعض زعماء الصحراء، وتغنيم أعداد كبيرة من المواشي. أرسل جيشه إلى النوبة السفلى ثلاث مرات، احتمالاً في محاولة لمد إمبراطوريته إلى الشمال، كما في الأيام السالفة. يتحدث عن تغطيته للمعابد جزئياً بالذهب، وعن إنشاء الحدائق وحظائر المواشي، وعن إعادة بناء القصر الملكي القديم، الذى يقول بأن به 60 غرفة.
نستاسن 335 - 315 ق.م.

تعرف الآثاريون على نستاسن من مسلة نصبت أصلاً في جبل البركل لكنها وجدت في لتّي أبعد إلى الشمال بعدة أميال. أخذت إلى هناك عن طريق الناس في الأزمان القديمة واستخدمت في بناء يرجع للعصر المسيحي. لا نعلم امتداد فترة حكم نستاسن، إلا أن نصه يرجع للعام الثامن من حكمه. مثله مثل العديد من النقوش الملكية الكوشية الأخرى، يصف النص رحلة الملك من مروى إلى نبتة لمراسم تتويجه في جبل البركل. ويصف النص أيضاً زياراته للمعابد الهامة في الشمال. يخبرنا النص أنه في الفترة المبكرة لحكم نستاسن قام "زعيم" من مصر يسمى كمباسودن بغزو النوبة السفلى. وصل كمباسودن على ظهر مراكب نقل، ومعه ناس ومواشي. ألحق جيش نستاسن الهزيمة بالغزاة، وأخذ كنوزهم، ووهبها إلى الإله آمون.

أركامانى- كو 270 - 260 ق.م.

أحد ملوك كوش النادرين الذين ذكرهم بالاسم المؤرخون الإغريق. ذكر الكاتب أجاثارخيد السندوسي، الذى كتب في القرن الثاني قبل الميلاد، بأن أركامانى- كو، والذي أسماه "ارجمنيس"، عاصر ملك مصر بطليموس الثاني (285- 246 ق.م.). يشرح أجاثارخيد بأنه وقبل أن يصبح أركامانى- كو ملكاً، كان لكهنة آمون دوماً السلطة في إقصاء الملوك. كل ما عليهم أن يفعلوه هو بعث رسالة إلى الملك يأمرونه فيها بالانتحار. وكانت تلك الرسائل تكتب بحسبانها صادرة مباشرة عن الإله. تسلم ارجمنيس رسالة من تلك الرسائل، لكنه بدلاً عن الانتحار، زحف بجنوده إلى المعبد وقام بقتل الكهنة!

القصة غالباً ما تكون حقيقية، ذلك أن أركامانى- كو كان أول ملك يشيد هرمه في مروى (البجراوية) لا في نبتة (أي نوري). العديد من التغيرات وقعت خلال فترة حكمه وبعده. على سبيل المثال، بدأ الكوشيون في تطوير أساليبهم الفنية والمعمارية الخاصة والتي كانت تختلف عن الأساليب المصرية. واخترعوا الكتابة المروية، والتي حلت محل المصرية في تلك الفترة. وأصبح الإله المروي الأسد أبادماك بقوة الإله المصري آمون. ويبدو أن اسم الملك يعني " أركامانى ملك"، ويعتقد العلماء أنه كان مؤسساً لأسرة حاكمة جديدة. ويعتقد بأن حكمه كان بمثابة بداية للعصر المروي.

أمانيسلو "أموناسرو" 260 - 250 ق.م.

أمر أمانيسلو ببناء الهرم الثاني في مروى (البجراوية)، ويمكن أن يكون ابناً لـ أركامانى- كو. كان هو آخر ملك أعاد بناء القصر القديم في جبل البركل قبل أن يحل محله قصر جديد. اشتهر أمانيسلو لسبب أساسي تمثل في انه وضع اسمه على تمثالي أسدين في جبل البركل. في عشرينات القرن التاسع عشر حمل مستكشفين بريطانيين التمثالين إلى انجلترا حيث وضعا في المتحف البريطاني. قرأ العلماء اسمه في البداية "أموناسرو". وعندما كتب الموسيقار جيوسيبي فيردي اوبرته الشهيرة عايدة (عن أميرة كوشية تقع في غرام أمير مصري)، فإنه اختار أموناسرو اسماً لوالدها.
أرنخامانى 235 - 218 ق.م.

اشتهر أرنخامانى ببناء "معبد الأسد" في المصورات الصفراء. يعد هذا المعبد واحداً من أروع الآثار العتيقة الباقية في السودان. لم تتبق وثائق تاريخية من عهده. ولأن النقوش البارزة في معبده بلغت درجة عالية من الروعة والقوة، يعتقد الآثاريون أن أرنخامانى دعم تطور الفن والمعمار. طور هو وأسرته أيضاً عبادة الإله المروي الأسد أبادماك، الذى أصبح بالنسبة للمرويين بأهمية آمون.

صور النحاتون السمات الأفريقية للملك بدقة على جدران معبد أرنخامانى. في واحد من المناظر يظهر الملك وهو يمتطي ظهر فيل. على الجدران الخارجية، يظهر الملك مع ابنه، أمير العرش أركا، والآلهة الرئيسة. على الجدران الداخلية، يظهر الملك مع على الأقل ابنين أو أكثر وعدد من النساء، احتمالاً زوجاته وبناته. تظهر مناظر أخرى قطعان ماشية وإخضاع قبائل جنوبية معادية.


شناكداخيتى 170- 150 ق.م.

كانت شناكداخيتى، احتمالاً، الملكة المرأة الأولى في كوش. ومع أن علاقات أسرتها غير معروفة، إلا أنها تظهر في الأعمال الفنية في بعض الحالات إلى جانب رجل أصغر حجماً. هذا الرجل يرفع ذراعه من خلفها ليلمس تاجها. طالما أننا نرى في حالات الإله آمون متخذاً هذه الوضعية نفسها عندما يمنح السلطة الملكية إلى ملك، فقد اعتقد بعض العلماء أن الرجل الواقف خلف الملكة كان أميراً متوجاً. ويعتقدون أنه إما زوجها أو والدها، والذي توفي قبل الوصول إلى العرش. بالتالي قد تكون الملكة وضعت التاج على رأسها بدلاً عنه.

نقش اسم شناكداخيتى في معبد مدمر حيث وجدت أقدم النقوش بالكتابة الهيروغليفية المروية. يعد هرمها في مروى (البجراوية) واحداً من أكبر الأهرام التى شيدها ملوك كوش. يضم الهرم مصلى متفرد يحتوي على غرفتين وعمودين. ويعد هذا المصلى واحداً من الأكثر تدقيقاً من حيث النحت. تصور المناظر في المصلى حملات عسكرية إلى الجنوب وتغنيم أعداد كبيرة من المواشي والأسرى. تظهر المناظر الملكة في شكل امرأة ضخمة مليئة بالسمنة. كل الملكات المرويات بعد شناكداخيتى كانت لهن أشكال ضخمة مماثلة، وهو ما يعد ليس فحسب رمزاً جمالياً وإنما تعبيراً للثروة والسلطة.
تانيدأمانى 110- 90 ق.م.

هذا الملك مشهود في الأساس عن طريق موضوعين هامين: الأول حجر منقوش يوجد حالياً في معرض والترز للفنون في بالتيمور. في هذا الحجر، يظهر الملك وهو يقدم التبجيل للإله الأسد أبادماك. والثاني لوح جرانيتي ضخم، حالياً في متحف بوسطن للفنون الجميلة، يظهر اللوح الملك وهو يقدم التبجيل للإله آمون. يحتوي لوح بوسطن على أطول نقش مروى عثر عليه حتى الآن. وجد اللوح في أحد جوانب الممر المؤدى إلى المعبد الكبير لآمون في جبل البركل. في الوجه الأول يظهر منظر للملك وهو يقدم أسرى حرب إلى الإله. وفي الوجه الثاني يبدو الملك مجدداً، مرتدياً زي كاهن أعظم، واقفاً وسط شكلين للإله. يصف النقش الطويل، الذى لازالت قراءته مستعصية، في الغالب انتصارات الملك على سكان الصحراء، وأيضاً النشاطات المعمارية التى قام بإنجازها. لازال الآثاريون غير متأكدين من أى من المدافن يخص هذا الملك
أماني ريناس "أماني رينا" 40- 10 ق.م.

واحدة من الملكات العظيمات في تاريخ مروى. كانت زوجة للملك تريتكاس وخلفته على العرش بعد وفاته. مشهودة من أربعة نقوش، حيث سميت بـ "كنداكة" و "كورى". "كنداكة" كان لقباً للملكة في مروى وغالباً ما يعني "الزوجة الملكية الأولى". هذا اللقب المروي هو أصل الاسم الأوربي الأنثوي Candace. ودون دراية بأنه لقب، اعتقد الكتاب الرومان أن "كنداكة" اسم للعديد من ملكات مروى.

غالباً ما كانت أماني ريناس هي الـ "كنداكة" التى أمرت جيشها بمهاجمة سيني (أسوان) في عام 24 ق.م. مباشرة بعد أن أصبحت مصر خاضعة لروما. أغضب ذلك الهجوم الرومان فارسلوا حملة انتقامية وصلت إلى المدينة المقدسة نبتة. يدعي كل من الكوشيين والرومان تحقيق نصر في الحرب بينهما. بعد أن عقدت اتفاقية سلام لم يعد الرومان مطلقاً لمهاجمة كوش. يبدو أن القادة الرومان رأوا الملكة فعلياً، ذلك أن الجغرافي الإغريقي سترابو كتب أن الملكة "كانت مسترجلة للغاية وبإحدى العينين عمياء". هذا الوصف يتوافق من حيث الاسترجال والقوة البدنية تماماً مع مناظر ملكات مروى العظيمات والتي يمكننا مشاهدتها على جدران مقابرهن ومعابدهن. الهرم 21 بالجبانة الشمالية، مروى - البجراوية كان مدفناً للملكة العظيمة التى لم يحتفظ باسمها. يعتقد العديد من العلماء بأن هذا الهرم كان مدفناً للملكة أماني ريناس وأن السيدة الجالسة، المنقوشة على جدران المصلى، هي أماني
أماني شاخيتى 10- 1 ق.م.

كانت أماني شاخيتى ملكة عظيمة اعتلت عرش مروى بعد وفاة أماني ريناس. غالباً ما كانت أختها أو أنها كانت الزوجة الثانية للملك تريتكاس، أو أنها كانت "ابنة" لـ أماني ريناس. سميت أيضاً بـ "كنداكة" مثلها مثل أماني ريناس.

كانت أماني شاخيتى من بين حكام مروى الأكثر قوة وثراءً. شيدت القصر والمعابد التى توجد أطلالها حالياً في ودبانقا. كان مدفنها في مروى (البجراوية) واحداً من أكبر الأهرام التى بنيت عموماً. في عام 1833 قام مغامر إيطالي يدعى جيوسيبي فرليني بتدمير هرمها بحثاً عن كنز. عثر على بعض مجوهرات الملكة، والتي تتوزع الآن بين المتحف المصري ببرلين، ومتحف ميونخ. تظهر الملكة، في مصلى مدفنها، وهى تتزين بكم كبير من الحلي والمجوهرات حاملة أسلحتها تقتل بها أعداء الشمال والجنوب
نتكاماني وأماني تارى 1- 20 م

ميلادية. هذا الثنائي الزوج- الزوجة هما الأكثر شهرة من ملوك العصر المروي. انهما مشهودان لا من النقوش التاريخية لكن من المباني الجميلة التى شيداها على امتداد المملكة. أنهما مشهوران ليس بأعمالهما الفنية والمعمارية، ولكن أيضاً لكونهما لا يظهران منفردين على الإطلاق. يظهران فقط مع بعضهما زوجاً وزوجة مرآة تعكس ثنائية الذكر - الأنثى. المعنى الكامن في ذلك التصوير غير واضح. يرى بعض العلماء أن نتكاماني قد يكون منتمياً لأسرة غير ملكية ومن ثم احتاج دوماً إلى تأكيد شرعيته بالظهور مع زوجته ذات الأصول الملكية. واضح أنه توجد علاقة قرابة بين أماني تارى والملكة أماني شاخيتى حيث أن مسلة الأخيرة وجدت داخل معبد آمون بالنقعة، وهو المعبد الذى بناه نتكاماني وأماني تارى. يحتمل أن تكون أماني تارى ابنة أماني شاخيتى. كان للثنائي الملكي نتكاماني وأماني تارى ثلاثة أبناء أعدوهم لتولى العرش. مات الأول وهو لازال يافعاً ودفن مباشرة إلى جانب مدفن أماني شاخيتى. مدفن الابن الثاني لم يتم التعرف عليه. أما الثالث منهم، شيراكارير، فقد أصبح ملكاً بعد وفاة والده.

شيراكارير 20 - 30 م

كان شيراكارير الابن الثالث للثنائي الملكي نتكامانى وأماني تارى والوحيد من أبنائهما الذى أصبح ملكاً. يعرف الآثاريون شيراكارير أساساً من أثره المدهش المتبقي. هذا الأثر عبارة عن رسم على صخرة جرانيت بارزة في الصحراء في جبل قيلي على بعد 92 ميل شمال شرق الخرطوم. يظهر الرسم الملك واقفاً أمام إله الشمس (شكل للإله آمون)، الذى رسم مثل إله الشمس الإغريقي هليوس. يلبس الملك جعبة سهام ويحمل قوساً، وسهاماً، ورمحاً، وسيفاً. يصور منتصراً على أعدائه. يقف على صف من أربعة أسرى مقيدين. ويقبض على سبعة آخرين بحبل يقدمه إلى الإله. يمد الإله إلى الملك حفنة درة. الدرة غالباً ما ترمز إلى حصد محصول جيد. أشكال أعداء آخرين صوروا في صفوف وكأنما يرقدون موتى في أرض المعركة أو قذف بهم من أعلى الجبل

بيَّا والسيطرة الكاملة على مصر

كان بيَّا هو الأول من ملوك نبتة الذى أضفي على نفسه مجمل مركب الألقاب الفرعونية المصرية، وهى ألقاب أخذ ثلاثة منها عن ألقاب الفرعون المصري تحتمس الثالث المنقوشة بتكرار معبد جبل البركل، وكان بيَّا محقاً في اتخاذ ذلك الإجراء طالما أنه قد فرض سيطرته الفعلية على التاج المصري المزدوج، وهكذا تبدل المصير التاريخى حيث ورث بيَّا تحديداً اسم ذلك الفرعون الذى قدر له أن ينجز استعمار كوش في عهد المملكة المصرية الحديثة السابق. نكاد لا نعرف شيئاً عن العشرين سنة الأولى من حكم بيَّا تقريباً، ويبدو أنه، كما هو الحال في كوش، تم تثبيته في العرش بعد انتخابه من النخبة الكهنوتية وموافقة الشعب شأنه شأن الملوك الكوشيين الذين أعقبوه، ويقول بيَّا في هذا الخصوص: "الآلهة تصنع الملك، والناس يصنعون الملك، إلا أن آمون قد جعلني ملكاً". لا يوجد في نص مصري واحد ما يفيد بأن للشعب الحق في تثبيت ملك جديد في العرش
يتحدث بيَّا بقدر من الغموض عن كيفية إنجازه عملية توحيد كوش: "وهبني آمون النبتي حق حكم جميع البلدان، فمن أقل له كن ملكاً يكن ملكاً، ومن أقل له لا تكن ملكاً لا يكون، ووهبني آمون في طيبة حكم مصر، فمن أقل له فلتصعد متوجاً يتوج، ومن أقل له لا تصعد متوجاً لا يتوج، وكل من منحته حمايتي لا يخشى على مدينته، ولن أقوم بحال باحتلالها".



إذاً هذا النص فإنَّ ذلك قد يشير إلى أن بيَّا كان قد سيطر، قبل حملته على مصر والتى خلدها في السنة الحادية والعشرين لحكم، بقوة على جزء من مصر وهى سيطرة ورثها عن كاشتا، أما اذا كان تأريخ ريزنر غير صحيح بحيث يكون النص قد وضع بعد عودة بيَّا من حملته فان ذلك إنما يعنى أن الحديث يدور عن حكام الدلتا وأمرائها الذين أخضعهم وهم من تعرض لهم بيَّا بإسهاب في حولياته، لكن سواء في هذه الحالة أو تلك فان بيَّا قد أخضع كافة الزعماء المحليين في مصر وكوش على حد سواء. وبعد إخضاع كوش واحتمالا السلام الطويل الذى أعقب ذلك في الأطراف الشمالية لمصر العليا إلى الجنوب من الفيوم تمكن بيَّا من التفرغ للنشاط المعماري وبدأ في تزيين عاصمته نبتة وقام بتشييد المعبد الرائع في جبل البركل بدلاً عن المعبد القديم الأصغر حجماً، كما استكمل بناء المعبد الذى كان قد بدأ في تشييده كاشتا.
في السنة الحاديَّة والعشرين لحكمه، حوالي 730 ق.م.، قاد بيَّا بنجاح حملة إلى مصر خلد انتصاره الناجم عنها في حولياته التى كتبت بلغة مصرية رصينة بالخط الهيروغليفي. لكن ما هي الأسباب التى دفعت بيَّا إلى تنظيم تلك الحملة؟ قطعاً لم تكن تلك الحملة نتاج طباع سلوكية ولا بفعل أسباب دينية ولا إرضاء لحب ألذات، تفسير أسبابها لا بدَّ من البحث عنه في سياسة بيَّا التى اتبعها في مستعمرته المصرية، ذلك أنه اكتفي بما حققه من نجاح سابق وما ناله من هدايا وغنائم وما فرضه من جزية، فجعل الإشراف على إدارة الدلتا أمراً تنهض به طيبة البعيدة إلى الجنوب في حين غفل هو راجعاً إلى عاصمته الحبيبة نبتة تاركاً الدلتا تحت سيطرة حاكمها تف نحت. ويبدو أن هذا الأخير استغل عودة بيَّا إلى كوش فبدأ في تهديد أمن الممتلكات الكوشية في مصر العليا، متحالفاً مع ملوك وأمراء الشمال، ولم يصدر عن بيَّا أي رد فعلٍ بل تركهم يزحفون إلى الجنوب حتى استولوا على هيراكليوبولس، عندها أمر الفيلق الكوشي المرابط في منطقة طيبة بالتصدي لهم عند الإقليم الخامس عشر كما أرسل التعزيزات العسكرية: "فاستدعى جلالته القادة العسكريين والضباط الموجودين في مصر، وهم باروما و ليميرسكنى وسائر ضباط جلالته القائمين في مصر، وقال لهم: اتخذوا وضع الاستعداد، وخوضوا المعركة، والتفوا حول العدو وحاصروه! وأسروا رجاله ومواشيه وسفنه النهريَّة! وامنعوا المزارعين من التوجه إلى الحقول، والفلاحين من حرث الأرض! اضربوا الحصار حول إقليم الأرنب وقاتلوا العدو كل يوم بلا هوادة!" ويستمر النص ليوضح التزام القادة الكوشيين بأوامر مولاهم بيَّا: "وهذا ما فعلوه: وأرسل جلالته جيشاً إلى مصر، وأوصاهم مشدداً بالتعليمات التالية، لا تنقضوا على العدو ليلاً وكأنكم تلعبون وتلهون، ولا تحاربوا إلا وأنتم مبصرون، وخوضوا ضده المعركة دون الاقتراب منه! وإذا قال لكم: انتظروا المشاة وسلاح المركبات القادمة من مناطق أخرى! فتريثوا لحين وصول جيشه، ولا تبدأوا المعركة إلا عندما يطلب ذلك، واذا كان حلفاؤه في مدينة أخرى فأصدروا الأوامر بالانتظار حتى يصلوا، وحاربوا في المقام الأول القادة العسكريين المصاحبين له كحلفاء، وحرسه الخاص من الليبيين، وعند استعراض الجيش لا ندرى لمن نوجه الحديث، فنقول: أيا أنت أسرج أفضل ما في إسطبلك من جياد وهيئ نفسك للمعركة! عندئذ سوف تعرف أننا رسل آمون!" وينصح بيَّا قواته قائلاً: "إذا بلغتم طيبة و وقفتم أمام ابت سوت اغمروا في الماء وتطهروا في النهر وارتدوا الكتان النقي، وحطوا الأقواس والقوا السهام جانباً، لا تتباهوا بأنكم أصحاب سلطة في حضرة الذى بدون رضاه ليس للشجاع قدرة، فيجعل الضعيف قوياً ، والجموع تتراجع أمام القلة وتعود أدراجها ويتغلب الفرد على ألف! وتبللوا بماء هياكله، وقبلوا الأرض بين يديه وقولوا له: أرشدنا إلى الطريق، فلنحارب في ظل قوتك! ولتكن معارك المجندين الذين بعثت بهم مظفرة، وليستولى الرعب على الجموع عندما تواجههم.

ويبدو أن القوات الكوشية حاصرت القوات المصرية المتحالفة وأجبرتها على خوض المعركة، فارضة عليها الاحتماء بمدينة هرموبولس التى تم ضرب الحصار عليها, فقط حينها توجه بيَّا بنفسه إلى مسرح العمليات متوقفاً في طريقه للاحتفال بالعام الجديد في الكرنك، وكان غرض بيَّا من ذلك مزدوجاً، فمن جانب أراد أن يعلن للملأ اعتراف آمون به ملكاً، ومن جانب ثانٍ استهدف إضعاف القوات المصرية المُحاصرة بإطالة أمد الحصار تدميراً لروحها المعنوية. وأثناء ذلك اجتاحت قواته مصر الوسطى، ووصل إلى هرموبولس فأخضع ملكها نمرود كما استسلمت مدينة هيراكليوبولس دون أن تنتظر استيلاء بيَّا عليها واعترف حاكمها بولاية بيَّا في خطاب مشحون بالعبارات الأدبية جاء فيه: "تحية لك أيَّا حورس، أيها الملك القوى، إنك الثور الذى يقاتل الثيران! لقد استحوذت الدات (أى العالم السفلى) علىَّ وغمرتني الظلمات، فهل لي أن أمنح وجهاً كوجهك المشرق! لم أجد من يناصرني وقت الشدة، ولكن بفضلك أنت وحدك أيها الملك القوى انقشعت الظلمات من حولي! فأنا وجميع ممتلكاتي في خدمتك، وتدفع مدينة ننى سوت الضرائب لجهازك الإداري، فأنت بالتأكيد خور اختى، حور الأفقين الواقف على رأس الخالدين، وبقدر بقائه تبقى أنتَّ ملكاً، وكما أنه خالد لا يموت فأنت أيضاً خالد لا تموت، أيا بيَّا يا ملك الوجهين القبلي والبحري، لك الحياة إلى الأبد".



بعدها توجه بيَّا إلى الشمال واستولى دون مقاومة على القلعة التى شيدها اوسركون الأول لمراقبة مدخل الفيوم، ثم زار مدينة هليوبولس لأداء الشعائر التقليدية التى تقام للإله آمون وقدم القرابين فوق تل الرمال، ويسرد النص أن بيَّا اتجه إلى "مقر رع في موكب رهيب، فدخل المعبد وسط تهليل الحاضرين والكاهن المرتل يتعبد للإله لإبعاد أعداء الملك، ثم أقيمت شعائر بردوات وربط العصابة الملكية، وتطهر جلالته بالبخور والماء. ووقف الملك بمفرده، وكسر ختم المزلاج وفتح مصراعي الباب وشاهد والده رع في قصر البن بن المقدس ومركب النهار المخصصة لرع ومركب المساء المخصصة لأتوم، ثم أغلق مصراعي الباب ووضع الطين وختم الملك بخاتمه الخاص، وأصدر تعليماته للكهنة قائلاً: لقد قمت أنا شخصياً بوضع الختم، لن يدخل المكان أحد سواي ممن يدعون أنهم ملوك، وانبطحوا على بطونهم فوق الأرض قائلين: ثابت أنت ودائم، فليحي حورس محبوب رع، إلى الأبد! دخولاً إلى مسكن أتوم".



أما تف نخت قائد المتمردين فقد أرسل إلى الملك المنتصر بيَّا رسولاً ليتفاوض نيابة عنه وحملَّه رسالة إلى بيَّا جاء فيها: "ألم يهدأ قلب جلالتك بعد كل ما ألمَّ بى بسببك؟ أجل أنى بائس، ولكن لا تعاقبنى بقدر الجرم الذى ارتكبته، أنت تزن بالميزان وتحكم طبقاً للوزنات! وفي قدرتك مضاعفة جرمي أضعافاً مضاعفة، ولكن ابق على هذه الحبَّة، وسوف تعطيك حصاداً وفيراً في الوقت المناسب، لا تقتلع الشجرة من جذورها! إن كاءك (روحك) تثير الرعب في أحشائي وترتعد أوصالي من شدة الخوف! ومنذ أن علمت باسمي لم أجلس في بيت الجعة (إندايَّة) ولم أستمع إلى عزف الجنك، لقد أكلت وشربت ما يكفي فقط لرد جوعي وإطفاء ظمئي. وصل الألم إلى عظامي، وأسير عاري الرأس مرتدياً الأسمال حتى تعفو الآلهة نيت عنى. لقد فرضت على السير مسيرات طويلة، أنت تلاحقني على الدوام، فهل أسترد حريتي ذات يوم؟ طهر خادمك من ذنوبه، ولتنتقل ممتلكاتي إلى الخزينة العامة، وكافة ما أملك أيضاً من ذهب وأحجار كريمة وأفضل جيادي وكافة تجهيزاتى، أرسل رسولك ليطرد الخوف من قلبي وأذهب في صحبته إلى المعبد ليطهرني القسم الإلهي".



وأرسل له بيَّا بالفعل كبير الكهنة المرتلين يرافقه القائد العكسري الكوشي باورما حيث أقسم تف نخت أمامها في المعبد القسم الإلهي التالي: "لن انتهك المرسوم الملكي ولن أتهاون في أوامر صاحب الجلالة، ولن أسلك سلوكاً مذموماً في حق قائد عسكري في غيابه وسوف أتصرف في حدود الأوامر الصادرة من الملك دون أن اخرق ما أصدره من مراسيم، عندئذ أعلن صاحب الجلالة موافقته".
بعد تلك الانتصارات ثبت بيَّا حكام الدلتا المصريين كل في إقليمه متجنباً إعطاء الكثير للذرية الليبية لفراعنة مصر القدماء مستثنياً واحداً منهم فقط هو نمرود بوصفه متحدثاً نيابة عنهم. ويصف النص وصول أولئك الحكام لأداء فروض الطاعة والولاء: "لَّما أضاءَّ الأرض نهار جديد، حضر عاهلا الجنوب وعاهلا الشمال والصل على جبينهم وقبلوا تراب الأرض أمام قوة صاحب الجلالة. وهكذا جاء ملوك وقادة الشمال ليشاهدوا بهاءَ جلالته، وكانت سيقانهم ترتعش وكأنها سيقان نسوة، ولكنهم لم يدخلوا إلى مسكن الملك حتى لا يدنسوه بالنظر إلى أنهم لم يختنوا ولأنهم يأكلون السمك. أما الملك نمرود فقد دخل مسكن الملك إذ كان طاهراً ولا يأكل السمك
ومن ثم قرر بيَّا العودة إلى نبتة وكان أن: "حُملت السفن بالفضة والذهب والأقمشة وسائر خيرات الشمال وكل ثمين وسائر كنوز سوريا وعطور بلاد العرب، وأقلعت سفن صاحب الجلالة صوب الجنوب وكان جلالته منشرح القلب، وعلى الجانبين كان الأهالي على شاطئ النهر يهللون من نشوة الفرح، وأخذ الجميع - شرقاً وغرباً- كلما بلغهم النبأ ينشدون عند عبور صاحب الجلالة أنشودة فرح وابتهاج، تقول الأنشودة: أيها الأمير القوى، أيها الأمير القوى، أيا بيَّا، أيها الأمير القوى! ها أنت تتقدم بعد أن فرضت سيطرتك على الشمال، إنك تحول الثيران إلى إناث! طوبى لقلب المرأة التى أنجبتك! وطوبى لقلب الرجل الذى من صلبك! وأهل الوادي يحيونه فلتحي إلى الأبد، فقوتك خالدة أيهُّا الأمير المحبوب من طيبة".
ما هي الأسباب التى دفعت بيَّا إلى العودة إلى نبتة بدلاً عن البقاء في مصر وإدارة المملكة الكوشية وممتلكاتها المصرية من طيبة؟ انطلاقا من مسلة النصر التى تعرضنا أعلاه لتفاصيلها واضح أن بيَّا نجح في فرض سيطرته الكاملة على كل مصر، لكنه فضلَّ ألا يحكمها شخصياً بصورة مباشرة، ومن ثم لجأ إلى إتباع سياسة منح الحكم الذاتي للمصريين تاركاً السلطات الإدارية بأيدي الحكام المحليين الذين أدوا له قسم الطاعة والولاء، مكتفياً بالإشراف الفعال على منطقة طيبة والطرق الغربية حتى الواحة الداخلة على الأقل. يبدو لنا أن فهم تلك الأسباب لا بدَّ وأن نبحث عنه في طبيعة الدولة الكوشية نفسها، ذلك أننا كنا قد أشرنا إلى نظام الإدارة الكوشية القائم على أساس مشيخات أو إمارات تابعة لنبتة، كما هو الحال في مملكة كرمة السابقة وفي مملكة مروى لاحقاً وفي الممالك المسيحية في القرون الوسطى بل حتى في مملكة الفونج الإسلامية. وفيما يبدو أن هذا الشكل من التنظيم الإداري الكوشي ارتبط بوجود إحساس قوى بضرورة نشوء وحدة سياسية في إطار الاعتراف بالتنوع الإثنى الثقافي المميز للبلاد منذ فجر تاريخها. هكذا ينقل لنا هيرودوت حديث الملك أمانى ناتاكى لبتى 538- 519 ق.م. للجواسيس الذين بعثهم قمبيز الفارسي إلى كوش "إن ملك الإثيوبيين (أي الكوشيين) له نصيحة يود أن يسديها إلى قمبيز ملك الفرس، عندما يتمكن الفرس من شد الأقواس التى هي من هذا الحجم بسهولة كما أفعل هكذا، حينها يمكنهم أن يأتوا للحرب بقوة ضاربة، لكنه يتوجب عليه أن يكون ممتناًَ للآلهة أنها حتى الآن لم تضع في عقول أطفالها الإثيوبيين أن يمتلكوا أرضاً هي ليست لهم”
بقى بيَّا في ذاكرة خلفائه الحاكم المؤسس لعظمة كوش وعزتها وقوتها وهى الدولة التى أسسها أسلافه، وأصبح اسمه كناية للملك. في فترة حكمه خلق بيَّا الظروف التى سمحت لأخيه وخليفته شاباكا 716-701 ق.م. لا أن يبسط سيطرته الكاملة على مصر فحسب بل أن يصعد على مسرح السياسة الدولية في تلك الفترة. على الأرضية الصلبة التى أرساها بيَّا بغت كوش في العقود اللاحقة درجة غير مشهودة من العظمة.


خلفاء بيا من ملوك الاسرة الخامسة والعشرون
شاباكا وشاباتاكا والصراع مع آشور
خلافاً لأخيه الملك بيَّا وجد شاباكا نفسه مضطراً للبقاء فترات أطول في شمال مصر مقيماً في منف لكن بدون أن يفقد كامل سيطرته على طيبة ونبتة، إذ تجلت في عهده الأطماع الآشورية وتزايد الخطر المحدق بأطراف مملكته الشمالية، وقد كانت أخته أمنارديس خير مساعد له من منصبها بوصفها عابدة الإله بالإضافة إلى قيامه بتعيين ابنه خارماخيس كاهناً أعظماً لآمون. وقد أصبحت كوش ومصر في عهد شاباكا بمثابة مملكة متحدة، ووضع شاباكا التاج المصري المزدوج على رأسه، وهكذا نجد الملك الآشوري سارجون يشير إليه بملك كوش ومصر. وإذا كان فراعنة مصر قد نظروا إلى كوش حين كانت تابعة لممتلكاتهم نظرة دونية وسموها كوش اللعينة، فإننا نجد أن الملوك الكوشيين كانوا أكثر إنسانية فنظروا إلى مصر التى فتحوها ووضعوا تاجيها على رؤوسهم نظرة جد مختلفة، فعاملوا أهلها خير معاملة وصبروا صبراً شديداً على حكام الدلتا المتآمرين دوماً، ولم يتوانوا في تقديم الهدايا الثمينة للمعابد المصرية، ولم يتأخروا عن أداء الخير بما جعلهم يكسبون دعم ومباركة المُجمع الكهنوتي المصري، وفي الواقع لا توجد إشارة إلى ممارسة الملوك الكوشيين العنف والقسوة إلا مرة واحدة، وهى المذكورة فقط في عمل المؤرخ المصري مانيثو، عندما اضطر شاباكا لحرق ملك سايس المتمرد بوكخوريس.
إذا كانت الأوضاع السياسية قد فرضت على شاباكا الاهتمام بالمناطق الشمالية لممتلكاته، واحتمالا أن يبقى هناك فترات أطول، فان نبتة ظلت هي العاصمة للمملكة وفيها كان القصر الملكي، وفيها دفن ملوك الأسرة الكوشية الخامسة والعشرين وأعضائها.
خضع زعماء القبائل الذين يمثلون النخب المحلية لملوك نبتة إما مباشرة أو احتمالا عبر حكام المناطق المختلفة. ووفر إقليم دنقلا- كريمة منتجات كافيَّة لتغطية احتياجات سكان العاصمة، بل ووفر فائضاً غطى احتياجات الجيش حتى في الفترة السابقة لاحتلال الكوشيين لمصر


ورغم أنه بعد موت بوكخوريس أصبح شاباكا الملك الوحيد الذى يضع التاج على رأسه في مصر السفلى فان التوحيد الشامل لم يصل إلى مداه، ذلك أن الحكام المصريين في أقاليم الدلتا الوسطى والشرقية ظلوا يتمتعون بقدر كبير من الاستقلال. ويبدو أن هذا الظرف كان واحداً من الأسباب التى جعلت شاباكا حذراً في علاقاته مع أشور التى كانت جيوشها في تلك الفترة على أبواب دولة يهودا، فارتأى شاباكا عدم الدخول في مناوشات مع الملك الآشوري سارجون الثاني ومن ثم سلمه أشودا إمعنى، المتمرد الذى استولى على السلطة في مدينة أشدود الفلسطينية الواقعة شمالي عسقلان وثار على أشور، والذي التجأ إلى مصر طلباً للحماية، ولو أن شاباكا ظل غير راض عن سقوط آخر مدينة تشكل حاجزاً بينه وبين الآشوريين، ويبدو أنه بتسليمه إمعنى قد نجح في التوصل إلى إبرام اتفاق دبلوماسي مع الآشوريين. وتحت إحساسه بعدم استقرار الأوضاع في الدلتا حاول شاباكا كسب دعم النخبة الكهنوتية للإله بتاح في منف والإلهة تاست في بوباستس وغيرهم. السيرة الطيبة عن شاباكا ظلت باقية حتى عصر البطالسة حيث احتفظ أحد شوارع مدينة منف باسم شاباكا، بل حتى أيام هيرودوت ظلت شخصية هذا الملك تنال حقها من التبجيل، وهو تبجيل تحدث عنه ديودور الصقلي، وقبل عام أو اثنين من وفاته جعل شاباكا ابن أخيه شاباتاكا نائباً له.


المعلومات المتوفرة عن شاباتاكا شحيحة، لكننا نعرف أنه استدعى أخاه الأصغر تهارقا للقدوم إلى مصر بجيشه من كوش، في إشارة إلى أنه قرر اختيار خط متشدد في سياسته الخارجية واتخاذ مواقف أكثر صلابة من مواقف سلفه. ويبدو أن شاباتاكا قرر تقديم الدعم العسكري لحكام سوريا وفلسطين في صراعهم ضد الغزاة الآشوريين الذين انشغلوا في المعارك التى خاضوها في وسط زاجروس ضد دولة اورارتو. وفي عام 704 ق.م. اعتلى عرش أشور الملك سنحاريب خلفاً لسارجون واغتنم ملوك فينيقيا وفلسطين الفرصة لإعلان تمردهم، وكانت حينها صيدا بقيادة لوللى، وعسقلان بقيادة صدقيا، ومملكة يهوذا تحت حكم حزقيا. واستجاب شاباتاكا لطلب المساعدة الذى تقدم به حزقيا، فأرسل حملة عسكرية بقيادة أخيه تهارقا بينما كان سنحاريب يزحف على عسقلان بعد أن طرد لوللى من صيدا. إلا أن جيش تهارقا قد هزم من قبل الملك الآشوري سنحاريب الذى أشار إلى أن ذلك الجيش تألف من حكام مصريين بالإضافة إلى النبالين و الفرسان وجنود المركبات التابعين لملك كوش، بل وتمادى سنحاريب مزهواً بالنصر الذى حققه ليصف الملك الكوشي في خطابه الذى وجهه إلى حزقيا قائلاً له: "ما الاتكال الذى اتكلت، قلت إنما كلام الشفتين مشورة وبأس حرب، والآن على من اتكأت وعصيت أوامري. فالآن هو ذا قد اتكأت على عكاز هذه القصبة المرضوضة، على مصر التى إذا توكأ أحد عليها دخلت في يده وثقبتها. هكذا هو فرعون ملك مصر لجميع المتكلين عليه" [سفر الملوك الثاني، الإصحاح 18 : 19-21] أما الجيش الثاني الذى أرسله شاباتاكا بقيادة تهارقا فانه لم يخض معركة ضد الآشوريين وذلك بفعل مرض فتاك انتشر بين الجنود الآشوريين وأدى إلى موت 18.500 جندي
تهارقا ومجد كوش



بوفاة شاباتاكا ودفنه في جبانة الكرو أصبح تهارقا ابن كل من بيَّا وابار ملكاً متوجاً، والأكثر شهرة من بين ملوك الأسرة الخامسة والعشرين. فكما ذكرنا فان تهارقا كان قد تمَّ استدعاءه من كوش إلى مصر بجيشه ولم يكن عمره حينها قد تجاوز العشرين. اتجه تهارقا أولاً إلى طيبة ومنها إلى منف. اللافت للانتباه أننا نعرف الكيفية التى أصبح بها تهارقا ملكاً متوجاً على مصر في حين نجهل الكيفية التى توج بها في كوش نفسها. فالواضح أنه عندما غادر نبتة، كما يتضح ذلك من مسلته من العام السادس لحكمه، لم يكن ملكاً بعد. بعد اعتلائه العرش في مصر يبدو أن تهارقا قرر أن تكون إقامته في الدلتا بمدينة تانيس وهو ما يشير إلى ظروف فرضت عليه مثل ذلك الخيار. أيضاً يبدو أن تهارقا قرر إتباع سياسة مع حكام الدلتا المتمردين تمثلت في أخذ زوجاتهم رهائن إلى كوش، حيث سجل في أحد النقوش في معبد كوة: "جعلت زوجات حكام (أورو) مصر السفلى خادمات في المعبد".

شك أن الحروب والانتفاضات في الإمبراطورية الآشورية قد ألهت سنحاريب ومن بعده اسارحادون في أيام حكمه الأولى عن غزو مصر مما أباح لتهارقا الفرصة للانشغال بالنشاطات المدنية وتمكن من تشييد الكثير من المعابد في كل من كوش ومصر كما لم يتسن لأسلافه القيام به. تفاصيل تلك الأعمال المعمارية الهائلة لن نخوض فيها حالياً. لكن نقول أنه قياساً بحجم الهدايا والهبات التى قدمها تهارقا لمعبد آمون في كوة، وقياساً بأعمال البناء التى وجه بإجرائها هناك فانه كان يمتلك قدراً هائلاً من الثروة، ثروة توفرت للدولة من الضرائب المفروضة على المواطنين في كل من كوش ومصر بالإضافة إلى العمل المكثف في مناجم الذهب في الصحراء الشرقية. وكان من بين اله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
معتصم محمد
عضو ماسي
عضو ماسي



عدد المساهمات : 297
تاريخ التسجيل : 02/12/2010

ملوك وملكات السودان القديم Empty
مُساهمةموضوع: رد: ملوك وملكات السودان القديم   ملوك وملكات السودان القديم Icon_minitimeالجمعة ديسمبر 17, 2010 7:33 am

شك أن الحروب والانتفاضات في الإمبراطورية الآشورية قد ألهت سنحاريب ومن بعده اسارحادون في أيام حكمه الأولى عن غزو مصر مما أباح لتهارقا الفرصة للانشغال بالنشاطات المدنية وتمكن من تشييد الكثير من المعابد في كل من كوش ومصر كما لم يتسن لأسلافه القيام به. تفاصيل تلك الأعمال المعمارية الهائلة لن نخوض فيها حالياً. لكن نقول أنه قياساً بحجم الهدايا والهبات التى قدمها تهارقا لمعبد آمون في كوة، وقياساً بأعمال البناء التى وجه بإجرائها هناك فانه كان يمتلك قدراً هائلاً من الثروة، ثروة توفرت للدولة من الضرائب المفروضة على المواطنين في كل من كوش ومصر بالإضافة إلى العمل المكثف في مناجم الذهب في الصحراء الشرقية. وكان من بين الهدايا العديد من المصنوعات والمواد الآسيوية المجلوبة إلى كوش من بينها خشب الأرز والبرونز الآسيوي، وهى موضوعات غالباً ما يكون قد تم اقتناءها عن طريق التجارة ذلك أن مرتفعات لبنان ما كانت في تلك الفترة تحت سيطرة الكوشيين.

امتدت حدود مملكة نبته في عهد تهارقا جنوباً حتى مكان يقال له رتيهو قابت (؟) وفي الشمال حتى مكان في آسيا يقال له كبح حور، ولازال الموقع الفعلي للمكانين غير محدد. في بداية عهده بلغت المملكة أوج ازدهارها وقوتها، ويحتمل أن تكون أعمال صهر الحديد في مروى (كبوشية الحالية) قد بدأت في أيامه حيث فرضت ظروف الصراع العسكري المستمر مع الإمبراطورية الآشورية العمل على تطوير صناعة الأسلحة. وكما هو واضح من النصوص التى تم الكشف عنها في كوة فان اقتصاد المعابد شهد ازدهارا، وأصبحت المعابد في كوش، كما هو حالها في مصر، مراكز علمية، ووجد في معبد آمون بكوة أربعة منجمين استطاعوا تحديد الوقت بحركة الأفلاك بمساعدة أجهزة متخصصة. ويلاحظ أن كل المسلات في كوة يرجع تاريخها إلى العشر سنوات الأولى من عهد تهارقا، أي الفترة من 689 حتى 679 ق.م. هل كان ذلك مجرد صدفة؟ لا نعتقد ذلك إذ أنه بعد مقتل سنحاريب الآشوري في انقلاب داخل القصر تولى ابنه اسارحادون السلطة في عام 681 ق.م. لتبدأ مجدداً التهديدات الآشورية تطال الممتلكات الكوشية في مصر مما فرض على تهارقا الاهتمام بحماية حدود مملكته الشمالية في شرقي الدلتا، وهو ما أدى إلى تحجيم الدعم المالي والعيني الذى يقدمه للمعابد. ويبدو أن اسارحادون أدرك أنه طالما بقيت القوة الكوشية مسيطرة على مصر فان سيادة الإمبراطورية الآشورية على سوريا وفلسطين لن تستقر، ولذلك قام في عام 647 ق.م.، بمجرد أن قضى على المقاومة في سوريا، بمحاولة الهجوم على الكوشيين في مصر لكنه مُنىَّ بالهزيمة. وعاود الكرة مرة ثانية بعد ثلاثة أعوام فشن هجوماً حقق نجاحاً بفضل المساعدة التى قدمتها له زعامات قبائل البدو ومدَّ جيشه بالجمال تمكيناً له من عبور صحراء سيناء ليصل إلى منف ويحاصرها ويحتلها بعد أن أجلى عنها تهارقا الذى خلف زوجاته وأطفاله في المدينة ليقعوا في الأسر. أما حكام الدلتا المصريين فقد أعلنوا عن ولائهم للغازي الجديد القادم من الجزيرة الفراتية. ويقول اسرحادون بخصوص نصره: "ضربت الحصار حول مدينة ممبى (منف) المقر الملكي، واستوليت عليها قبل مرور نصف يوم بواسطة الأنفاق الأرضية والثغرات التى فتحت في أسوار المدينة وسلالم الاقتحام. ونقلت المغانم إلى أشور، ومن بينها الملكة وحريم القصر واوشى ناحورو الوريث الرسمي و أبناءه الآخرون وممتلكاته والعديد من جياده ودواب الحمل والماشية والقطعان، وأبعدت جميع الكوشيين إلى خارج البلاد ولم ابق على واحد منهم ليقدم ليّ فروض الطاعة والولاء، وحل محلهم في ربوع مصر ملوك وحكام وضباط ومراقبو موانئ وموظفون وإداريون جدد".

خلد اسارحادون انتصاره في لوحتين الأولى في زنجريلى والثانية في نار الكلب، وصور اسارحادون في الأولى وهو يقف أمام تهارقا الجاثي على ركبتيه، وفي الثانية أمام ابن تهارقا اوشى ناحورو. إلا أن انتصار اسارحادون لم يدم طويلاً إذ عاد تهارقا مجدداً إلى منف في عام 669 ق.م. وهو ما فرض على الملك الآشوري أن يجهز جيشاً لاستعادة مصر لكنه توفي وهو في طريقه إلى هناك وتوقفت تلك الحملة نتيجة ذلك.



في عام 666 ق.م. قرر ابن اسارحادون الملك أشور بن بعل فرض سيطرته على مصر مجدداً مما دفع تهارقا إلى التراجع من منف إلى طيبة. ومات تهارقا في عام 663 ق.م. والصراع بين الإمبراطورية الآشورية ومملكة نبتة على أشده للسيادة على مصر. ورغم أن تهارقا كان قد تعرض للهزيمة مرتين وأجبر على التراجع أمام الجيوش الآشورية فان التحدارات التاريخية تنظر إليه واحداً من الملوك الفاتحين العظماء، هكذا نجد أن سترابو ذكر تهارقا في المرتين اللتين تعرض فيهما لأعمال أعظم الملوك الفاتحين في القدم مشيراً إلى أن تهارقا قد وصل حتى أعمدة هرقل. كما أن نصوص الكهنة المصريين، والتي لم تجد الاهتمام من قبل علماء الدراسات المصرية القديمة، تتحدث عن تهارقا العظيم الذى عدوه ملكاً حتى في ظل السيادة الآشورية. ولا ننسى أن تهارقا في السنوات العشر الأولى لحكمه جعل من مصر دولة مزدهرة اقتصاديا وهو ما جعل ذكراه طيبة لدى المصريين. كما أن الحوليات التى دونت في عصره بأخبار فيضان النيل الذى حدث في العام السادس لحكمه، وبلغ ارتفاعه مستوى خطيراً كاد ينقلب إلى كارثة لولا العناية الإلهية، على حد تعبيره، التى حولت الفيضان لفائدة العباد. واحتفالاً بهذه المناسبة نصب تهارقا المدونات المتماثلة في تانيس بمصر وفي كوة بكوش وفي مدن مصرية وكوشية أخرى جاء فيها "أيَّا آمون يا أبى، ياربَّ عرشي القطرين. لقد أنعمت علىَّ بأربع معجزات في غضون سنة واحدة، وهو العام السادس من تتويجي ملكاً، عندما فاض النيل ليبلغ مستوى يمكن أن يسبب انجراف المواشي وإغراق سائر البلاد، ولكن ظلت المناطق الريفية جميلة على مد البصر، ولم يسمح لرياح الجنوب أن تقضى عليها، وماتت القوارض والزواحف وطردت أسراب الجراد. وهكذا استطعت أن أحصد حصاداً وفيراً بكميات لا تقدر من أجل بيت الغلال المزدوج".


تانوت أمانى وفقدان السيادة على مصر


أمر تهارقا بتشييد أهرامه في نورى غير البعيدة عن نبته في أكثر موقع ارتفاعا، ويبدو أن السبب من وراء ذلك هو عدم وجود مكان مرتفع في جبانة الكرو على الضفة المواجهة للنيل حيث ترقد رفات أسلافه. والمؤسف أن مدفن تهارقا، مثله مثل مدافن أسلافه، قد تعرض للنهب التام في القدم، ولم يتبق من جثمان هذا الملك، الذى عمت شهرته الآفاق وورد اسمه مرتين في الكتاب المقدس، سوى أجزاء من عظام رجليه، ولم يبق من المرفقات الجنائزية في مقبرته إلا عدد غير كبير من الأواني المصنوعة من الحجر وبعض التماثيل الجنائزية. وكان تهارقا بوقت قصير قبل وفاته، احتمالا في السنة الأخيرة من عمره، قد عين ابن أخيه تانوت أمانى نائباً له، ولازال الاختلاف قائم عما إذا كان الأخير ابناً لشاباكا أم شاباتاكا، إلا أن الباحثين المتخصصين في دراسة هذه الفترة تحديداً يعتقدون بأنه كان ابناً لشاباتاكا. عن اعتلاء تانوت أمانى تحدثنا المسلة التى اشتهرت باسم لوح الحلم والذي عثر عليه مع ألواح ملوك كوش الآخرين في جبل البركل في عام 1862، ويرجع تاريخ اللوح لفترة بعد اعتلائه العرش. يشير اللوح إلى حلم شاهده الملك: "وفي عام تتويج جلالته رأى في المنام أفعيين ضخمتين واحدة على يمينه والأخرى على يساره، فاستيقظ جلالته وبحث عنهما دون جدوى. وتسائل جلالته: ماذا حدث؟ فقدم له البعض هذا التفسير: إن البلاد في قبضتك، وبقى أن تفتح شمالها أنهما السيدتان اللتان ظهرتا فوق رأسك لتمنحاك البلاد دون منازع".
وتشير عبارات اللوح إلى أن تانوت أمانى بمجرد سماعه نبأ وفاة عمه تهارقا عاد إلى كوش من مصر العليا حيث تم تتويجه ملكاً في نبتة، وغادر بعد التتويج إلى مصر وزار معبد الإله خنوم في طيبة وغادرها متجهاً إلى الشمال حيث كانت الأوضاع معقدة، ذلك أن حكام الدلتا بعد أن ذاقوا الأمرين من الحكم الآشوري كرروا، كما فعلوا على أيام تهارقا، طلبهم للملوك الكوشيين أن أنقذونا من الاستبداد الآسيوي، الذى حرمهم من الاستقلال في إدارة ممتلكاتهم وهو استقلال تمتعوا به في ظل سيادة الملوك الكوشيين على مصر. والواضح أن تانوت أمانى لم يواجه مقاومة تذكر في طريقه إلى الشمال من طيبة حتى وصل إلى منف وضرب عليها الحصار واستولى عليها مجدداً، إلا أن ذلك لم يحرك حكام الدلتا الذين ظلوا يترقبون ما سينجلي عنه السجال العسكري بين الكوشيين الذين قدموا لإغاثتهم والآشوريين المحتلين لبلادهم فاحتموا بأسوار مدنهم بعيداً عن أرض المعارك الدائرة مكتفين فقط بإظهار ولائهم لتانوت أمانى (تالتاماني)، وهو ما تؤكد عليه الهدايا التى قدموها لجلالته كما هو مبين في لوح الحلم.

ما حدث في أعقاب ذلك نعرف عنه من حوليات الملك الآشوري أشور بن بعل الذى أرسل جيشاً لاستعادة سيطرته على مصر، وخاض معركة مع الكوشيين في أطراف منف هُزم فيها الكوشيون وتراجعوا إلى طيبة وتتبعتهم القوات الآشورية إلى هناك حيث تمكن الأخيرون من دخول المدينة وتدميرها وتراجع تانوت امانى إلى كوش. ولم نعد نعرف شيئاً عن سنوات حكمه الأخيرة، وتوفي في حوالي سنة 653 ق.م. ودفن في جبانة الكرو، وبوفاته تنتهي السيطرة الكوشية على مصر وتنتهي معها الأسرة الخامسة والعشرين.
ما هي الأسباب التى أدت إلى هزيمة الكوشيين في صراعهم مع الإمبراطورية الآشورية للسيادة على مصر؟ إن ملوك نبتة الذين عدوا أنفسهم الورثة الشرعيين للتاج المصري ادعوا أيضاً شرعية سيادتهم على الممتلكات المصرية السابقة في سوريا وفلسطين وهو ما يفسر التحركات النشطة لشاباكا وشاباتاكا وتهارقا في مناطق أصبحت تابعة للإمبراطورية الآشورية التى أضحت القوة العسكريَّة الكبرى في الشرق في تلك الفترة. إلا أن الملوك الكوشيين لم يمتلكوا لا القوة العسكرية الهائلة ولا الموارد البشرية والماديَّة التى تمكنهم من الصمود طويلاً في مواجهة القوة الآشورية الضاربة، هذا بالإضافة إلى أن حكام الدلتا بدلاً عن أن يقدموا الدعم للقوات الكوشية ظلوا على العكس يشكلون مصدر إضعاف لها بدخولهم في صراعات فيما بينهم انشغل الملوك الكوشيين بالسيطرة عليها طوال الوقت.
مملكة نبتة بعد التراجع من مصر


للأسف فان فترة القرنين السابع والسادس قبل الميلاد والتي تم خلالها نقل العاصمة من نبتة إلى مروى (كبوشية- البجراوية) لازالت ضعيفة التوثيق لشح المعلومات، معروفة فقط أربعة نقوش ترجع ثلاثة منها إلى ملك واحد بالإضافة إلى عدد غير كبير من النقوش المصرية المقتضبة. فقط بفضل أعمال التنقيب في المدافن الملكية في نبتة ومروى أمكن تحديد تعاقب الملوك الذين أعقبوا تانوت امانى، وبهذا القدر أو ذاك تثبيت تواريخ حكمهم وشجرة نسبهم.
خلف تانوت امانى ابن عمه أتلانيرسا (653–643 ق.م.) الذى أعقبه بدوره ابنه سنكامانسكن (643–623 ق.م.) ومن ثم اعتلى العرش بالتوالي نجلاه أنلامانى (623-593 ق.م.) وأسبالتا (593–568 ق.م.) ورغم فقدان الكوشيين لمصر فان هؤلاء الملوك امتلكوا قوة وثروة هائلة مكنتهم من إنجاز الأعمال الضخمة، في المقام الأول في معابد جبل البركل.
شيد أتلانيرسا هرماً له بالقرب من هرم والده تهارقا، وكذلك فعل ابنه سنكامانسكن وابناه أنلامانى وأسبالتا في نورى. من حيث الحجم والمعمار المميز لتلك الأهرام يتضح مدى الثراء والقوة التى تمتع بها أولئك الملوك، وعلى سبيل المثال فان التابوتين الخاصين بالملكين سنكامانسكن وأسبالتا يزن الواحد منهما 15 طناً وغطيا بنقوش رائعة من النوع المميز للطقوس الجنائزية لفترة الأسر العشرين السادسة والعشرين، واحتوت على بعض نصوص اللعنات وعبارات من نصوص الأهرام وكتاب الموتى ونصوص التوابيت.
وبفضل لوحة أنلامانى التى تم الكشف عنها في كوة يمكننا أن نكون صورة عامة عنه وعن نظام الحكم في عهده. يبدأ أنلامانى نص لوحه، مثله مثل تهارقا، بتقديم امتنانه وعرفانه واحترامه لوالدته تاسالسى التى صُورت إلى جانبه مرتين في بداية اللوح، وهو أمر طبيعي علماً بالدور الخاص بالملكة الأم الكنداكة في كوش. ويعبر أنلامانى عن اهتمامه برخاء الشعب وسيادة النظام في البلاد: "يجب ألا يقتل في عهدي أي من المواطنين إلا أولئك المارقين وكل من يثير المشاكل، ويجب ألا يُغضب أحد الأرملة، وألا يفترى أحد في عهدي". هكذا خاطب الملك المسئولين في القصر قبيل مغادرته في مأمورية تفتيشية. ويحتوى النص على معلومات عن الحرب الوحيدة التى خاضها أنلامانى، فقد أرسل تجريدة عسكرية إلى بلاد بيلهى (البليميين) التى يبدو أنها كانت ذات طابع تأديبي عادى ذلك أنه بعد كل الحديث عن "الضرب المبرح الذى ناله سيئ السمعة هذا" فقد تمَّ أخذ أربعة رجال فقط أسرى.
أسبالتا والصراع الكوشي المصري


أما أسبالتا فقد وصلت إلينا منه ثلاثة نصوص طويلة من جبل البركل، يحتوى الأول منها معلومات عن عملية انتخاب الملك، ويحتوى الثاني لوح الإقصاء كالأول على معلومات ذات أهمية بالنسبة لدراسة تركيب الدولة وبنيّتها في كوش. فقد تمت عملية انتخاب أسبالتا ملكاً وفق التقاليد المتبعة بأن أشارت إليه الروح الإلهية أولاً ومن ثمَّ تمت الموافقة من قبل المحاربين (الجيش)، وهو نظام للحكم نال تسمية الديمقراطية العسكرية في الأدب المتخصص. وقد نالت الطبقة الكهنوتية أهمية من خلال تأثيرها في المجريات السياسية بوصفها المعبرة عن الروح الإلهية، إلا أن أسبالتا أبقاهم تحت رقابته وسيطرته الكاملة وهو ما نستشفه من محتوى النص الثالث الذى صار يعرف باسم نص التكريس والذي عين بمقتضاه أخته زوجته ماديكن كاهنة عليا للإله آمون وحدد المهام الموكول لها القيام بها والتي تُورَّث لمن يخلفها من أحفادها.
يبدو أن أول صدام وقع مع مصر نمتلك معلومات عنه كان في عهد أسبالتا، معلوم أنه بعد تراجع تانوت امانى من مصر إلى كوش ظلت العلاقات بين البلدين على الأقل غير عدائية حتى أن عابدة الإله شبنوبت (إبنة الملك بيَّا( تبنت نيتوكريس إبنة بسامتيك الأول، وأنه لما امتدت سلطة الأسرة السادسة والعشرين لتشمل كل مصر لم يتم إبعاد أفراد الطبقة الأرستقراطية الكوشية الذين بقوا في طيبة من المناصب العليا التى كانوا يتبوأون فيها سواء في السلك الكهنوتي أم الإداري، بل أن موتمحات الذى أصبح حاكماً على مدينة طيبة كان من أصل كوشي، وبقى حوتسرديس الذى ينتمي إلى أسرة كوشية من الأرستقراطية حاكماً لادفو في مصر العليا. إلا أنَّ ملوك الأسرة السادسة والعشرين في سايس ظلوا يشعرون بأن الملوك الكوشيين لازالوا لم يتخلوا عن ادعائهم بشرعية وراثتهم للتاج المصري وهو ما يشكل تهديداً دائماً لسلطانهم، وازدادت مخاوفهم بفعل الشعور العام في مصر، في الأوساط الكهنوتية والشعبية، الموالي للكوشيين بوصفهم من وقف بوجه العدوان الآشوري، وهو ما ليس باستطاعة حكام سايس أسلاف بسامتيك ولا الأخير نفسه ادعاءه. بالإضافة فان الملوك الكوشيين للأسرة الخامسة والعشرين ظلوا في نظر الدوائر الكهنوتية هم حماة الدين والتقاليد.
وقد دفعت الصراعات بين حكام الدلتا من أجل السلطة بسامتيك للبحث عن قوة عسكرية فاعلة يعتمد عليها فلجأ لاستخدام جنود مرتزقة إغريق مما يعنى تهميش دور الجنود الليبيين الذين قام بإرسالهم إلى الحاميات الجنوبية بخاصة الفننين. ويبدو أن بسامتيك رمى من تلك السياسة إلى تحقيق هدفين، أي ضرب عصفورين بحجر واحد، فمن جانب إبعاد الليبيين غير المرغوب فيهم من قاعدتهم في الدلتا، ومن جانب ثان تأمين حدوده الجنوبية استبعاداً للخطر الكوشي. إلا أنَّ ذلك لم يرض الجنود من الليبيين فهربوا من الخدمة واتجهوا جنوباً إلى كوش حيث تم إيواءهم في داخل البلاد، وهم المجموعة المسماة حسب رواية هيرودوت الاسمخاى والذين يروى أنهم جنود الحامية في الفننين بعد نوبتهم التى امتدت إلى ثلاث سنوات، في مكان كان في رأيهم منفي لهم، أصابهم شئ من التذمر من الحال التى صاروا فيها ومن ثم أعلنوا ثورتهم، وساروا مع النيل إلى نبتة، حيث عرضوا خدماتهم على ملك الإثيوبيين فقبلها وأعطاهم قطعة أرض كان يقطنها أعداء للملك، وطلب منهم طرد أولئك الأعداء، فتمكنوا من تحقيق النجاح، واستقروا في تلك المنطقة، ولقد حددت الأخبار التاريخية عددهم بنحو ألفين وأربعمائة مقاتل، غير أنه رقم فيه من المبالغة ما لا يخفي على أحد على حد تعبير كراوفورد.
في عهد بسامتيك الثاني، فيما يبدو، نشأت في نبتة ظروف يمكن عدها غير مطمئنة بالنسبة للأسرة المصرية السادسة والعشرين إذ عثر في تانيس على نقش يرجع تاريخه للعام الثالث لحكم بسامتيك الثاني جاء فيه "أتينا لنقول لجلالته في عام تتويجه الثالث: بلاد كوش تفكر في العراك معك". والحق يقال أن مثل هذا النص لا بدَّ من قراءته على ضوء الحملة الأيديولوجية التى أعلن بسامتيك بدايتها ضد الملوك الكوشيين للأسرة الخامسة والعشرين بإصدار أوامره بإزالة أسماء أولئك الملوك أينما وجدت وإحلال اسمه في مكانها. هدفت تلك الحملة إلى تبديل الصورة المنطبعة في التحدارات الشفهية عن الملوك الكوشيين كحماة للعقائد القديمة وكمحررين لمصر من الغزاة الآشوريين وإحلال صورة جديدة ترى فيهم غزاة دمويين اغتصبوا السلطة من الحكام المصريين الشرعيين. هكذا شرع بسامتيك الثاني في تجهيز الرأي العام في مصر لإعلان الحرب ضد كوش، وهى حرب لها مغزاها الاستراتيجي العسكري والاقتصادي. فمن الناحية العسكرية اشتركت مصر في الصراع الدائر في آسيا لاقتسام تركة الإمبراطورية الآشورية المحتضرة بتقديم الدعم لهذا أو ذاك من المتعاركين، وهو ما تطلب من الحكام المصريين ضرورة تأمين خط ظهرهم في الجنوب. ومن الناحية الاقتصادية فالاحتياج إلى ذهب كوش ومنتجاتها الأخرى المرغوبة في الأسواق العالمية مثل العاج والأبنوس وجلود الأفيال وغيرها ظل عنصراً له أهميته بالنسبة للاقتصاد المصري.
هكذا ومع بداية حكم الملك الكوشي أسبالتا قرر بسامتيك الثاني شن الحرب على كوش وقام بنفسه بقيادة جيش جرار تألف من فيلق مصري وفيلقين آخرين من الجنود المرتزقة الإغريق واليهود والفينيقيين والليديين. ويبدو أن تلك الحرب كانت من الأهمية بحيث ظلت ذكراها عالقة حتى أيام هيرودوت في القرن اللاحق. غير معروف المدى الذى وصلت إليه القوات الغازية، لكن إذا صحت مطابقة تا- ساش الواردة في نص تانيس مع دنقلا، فان في ذلك إشارة إلى تقدم جيش بسامتيك إلى ما وراء الشلال الثالث. إلا أنَّ المؤكد هو نجاح بسامتيك في تثبيت الحدود مؤقتاً عند الشلال الثاني. على كل فان تلك الحرب حددت مسار العلاقات السياسية الكوشية المصرية لعشرات السنوات اللاحقة.
يبدو أن حملة بسامتيك الثاني أسهمت بهذا القدر أو ذاك في القرار الخاص بانتقال العاصمة الكوشية من نبتة إلى مروى بعيدًا إلى الجنوب، لكنها قطعاً ما كانت العامل الأوحد. إن موقع مروى كان أكثر إستراتيجية من الناحية العسكرية والاقتصادية من نبتة، فمروى الواقعة على ضفة النيل تمثل ملتقى للعديد من الطرق التجارية التى تربط البحر الأحمر بالغرب البعيد، والطرق التى تربط الشمال بالجنوب. بالإضافة فإنها تقع في منطقة غزيرة الأمطار، وهى أمطار يتزايد معدلها كلما اتجهنا جنوباً حيث تمتد الأراضي المنبسطة بين النيلين الأزرق والأبيض وروافدهما وتتميز بالخصوبة المنبتة للقمح، وإلى الشمال الشرقي منها وعلى الرغم من أن هطول الأمطار فيه ليس كافياً لإنتاج محاصيل منتظمة أو لإقامة دائمة فان البيئة تعد صالحة للحياة وتوفر مرعىً ممتداً. هذا في حين أن نبتة الواقعة في الإقليم الممتد من بربر إلى الشلال الثالث تتوسط منطقة نادرة المطر، ومن ثم نجد أن الشريط النيلي وحده هو المأهول بصورة دائمة وتعتمد الزراعة فيه اعتماداً كلياً على مياه النيل.











الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ملوك وملكات السودان القديم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ملوك النوبة المنسيين (1)
» تاريخ ملوك أرقو دنقلا
» توفيق صالح جبريل – فارس الشعر القديم
»  االمناطق الاثرية في السودان
» شارل بونى / مكتشف اسرار شمال السودان

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات معتصم أقداوي للثقافة والتراث النوبي :: الـمــنـتـديـات الـنـوبـيـة :: منتدي التاريخ النوبي(دراسات وابحاث)-
انتقل الى: