ابن الدر وبلانة الشيخ ماهر اسماعيل

الشيخ / ماهر إسماعيل جاهين ..( الدر وبلانة ) ..
=====================

إنه من أعظم الشخصيات النوبية فى القرن العشرين ( العالم العلاَّمة والداعية النوبى الأول .. صاحب البلاغة والفصاحة .. وصاحب الأحاديث الجهيرة بالدعوة إلى العقيدة .. الملم بعلوم الدين .. قوى الحجة .. عذب الحديث .. طلق اللسان .. سلس البيان ..
إنه الشيخ / ماهر إسماعيل جاهين ..

لقد كان من حسن حظى أن أكون على علاقةٍ وطيدةٍ به .. فقد كان صديقاً حميماً لوالدى منذ أوائل الأربعينيات فى بلاد النوبة .. ثم بعد ذلك فى القاهرة ..وكان دائم الزيارة لنا عندما يكون فى القاهرة ..
ويقضى أوقاتاً طويلةً معنا .. نتمتع فيها بحديثه العذب ..
وما دعوناه مرةً إلى غذاءٍ أو عشاءٍ إلاَّ ولبَّى .. فالأصالة النوبية تجرى فى عروقه ، وكثيراً ما يكون الحديث معاً باللغة النوبية التى نحبها ويحبها ..
وهو بليغٌ فيها أيضاً قدر بلاغته فى اللغة النوبية ..

والحديث عن الشيخ / ماهر إسماعيل يحتاج إلى صفحاتٍ طويلة لا يتسع المجال لها الآن ..
كما أن الحديث عن نشاطه وصولاته وجولاته يصعب الإلمام به .. ولكننى سألجأ إلى طريقةٍ لتعريف القارىء بهذه الشخصية العظيمة التى قلما يجود الزمان بمثلها ..
( إذ كما يقول المثل العربى : الرجال مواقف ) ..
ولذلك بأننى سأرد لكم عدة مواقف له .. بها تتعرفون على هذه الشخصية الفريدة ..

وقبل أن أروى لكم هذه المواقف فإننى أقدمه إليكم بهذه الكلمات :

1 --- هو بالطبع إبن الدر وبلانة .. ولكن عاش معظم حياته فى بلانة ..
2 --- بدأ حياته فى شبابه بأن عمل فى سكك حديد السودان ..
3 --- لم يحصل على أى شهادة دراسية ..
4 --- علَّم نفسه بنفسه وانكب على مرآة أمهات الكتب والعلوم الدينية ..
5 --- بعد سنواتٍ قليلة أصبح وكان من أقدر العلماء فقهاً للعقيدة ..
6 --- كان يتمتع بذكاءٍ خارقٍ وبلاغة الحديث ، ولمَّاحاً وبعيد النظر ..
7 --- كانت له صولاتٌ وجولاتٌ فى ( النوبة ) و ( السودان ) و ( السعودية ) و ( دول الخليج ) ..
8 --- كان محبوباً من الجميع ويترك فى نفوس جلسائه أثراً طيباً ..
9 --- كان ملماً بتاريخ النوبة وعادات أهلها وطباعهم ..
10 --- كانت له بالسودان علاقاتٌ كثيرة وكانت له شعبيةٌ كبيرةٌ هناك ..

الشيخ ماهر إسماعيل :
( وجمال عبد الناصر ) ..
===============

[size=21]عندما قرر أعضاء مجلس قيادة الثورة فى بداية الخمسينيات بعد قيام الثورة زيارة بلاد النوبة ..
كانت (بلانة ) هى إحدى قرى النوبة الهامة التى قرروا زيارتها ..
فقد كانت ( بلانة ) هى أكبر هذه القرى تعدداً ..
وكان بها مشروع زراعى فكانت من أغنى القرى فى بلاد النوبة ..
فاستعدت بلانة لهذه الزيارة ..
وتجمع أهالى بلانة رجالاً ونساءاً وشباباً وأطفالاً لهذه الزيارة ..
وهبطت الطائرة ( الهليوكبتر ) التى تقل الزعيم جمال عبد الناصر ..
والتى قلت قبل ذلك فى حديثٍ آخر أن الذى كان يقودها هو طيارٌ نوبىٌّ ..
ثم هبطت بعدها الطائرات الأخرى التى تقل عدداً آخر من أعضاء الثورة ، ورجال الأمن والصحافة والمرافقين وغيرهم ..

وخرجت (بلانة ) عن بكرة أبيها كلها للأستقبال وعلى رأسهم ( عميد العمد ) فى بلاد النوبة الشيخ الجليل ( توفيق رشوان ) ومع ماهر إسماعيل وباقى شيوخ البلد مثل الشيخ داود وغيره ..
فعلت زغاريد النساء إلى عنان السماء واشتد تصفيق الرجال ودقت الطبول ترحيباً بحكام مصر وعلى رأسهم الزعيم جمال عبد الناصر ..
وكان المشهد عظيماً لم تشهد بلاد النوبة قبله من قبل ..
وجلس الضيوف وقُدِّمت إليهم تحية النوبيِّين إلى ضيوفهم ( من البلح والفشار ) وأكواب الشاى ..
ثم بدأ الإحتفال ..
وهنا ظهر فارس الحلبة زنجم الإحتفال وسيد الموقف ..

الشيخ / ماهر إسماعيل جاهين ..
===================

وقف الشيخ / ماهر يلقى خطابه الرائع فقال فى مقدمة الخطاب :
يا صاحب الجانب المرهوب ..
يا صاحب العقل الموهوب ..
يا صاحب القلب المحبوب ..

إلى آخر الخطاب التاريخى .. الرائع البليغ وفى كل مرة يشير إليه أحد أعضاء الثورة قائلاً :
( أعد يا شيخ ماهر ) فيعيد ويتكرر هذا مراراً ويقول :
( أعد يا شيخ ماهر ) فيعيد ..
وكان الشيخ ماهر وفى كل مرة يقال له فيها ( أعد ) ينظر إلى نساء بلانة المحتشدات فى هذا الحفل ويقول لهم باللغة النوبية :
( جَوَّنا جَوَّنا ) ..
أى أطلقوا الزغاريد فتنطلق الزغاريد ويعلوا التصفيق وتُدقُّ الطبول ..
الحقيقة كان المشهد عظيماً والترحيب بالغاً واللقاء جميلاً ..
وبعد ساعاتٍ قليلة غادر الضيوف ( بلانة العظيمة ) وكان فى وداعهم أهل بلانة جميعاً وعلى رأسهم عمدتها الشيخ الوقور ( توفيق رشوان ) ..
وكان من أثر هذا اللقاء أن رأى جمال عبد الناصر أن ( الشيخ ماهر إسماعيل شخصية فذَّة غير عادية ..
ولذلك قرر فى نفسه أنه لابد أن يكون له مع هذا الرجل شأنٌ آخر ..
وكان هذا هو بداية سطوع نجم الشيخ ماهر فى السماء

الشيخ ماهر إسماعيل وأنور السادات ..
=======================

فى أوائل الستينيات من القرن السابق أُختير الشيخ / ماهر إسماعيل عضواً بمجلس الشعب ممثلاً لبلاد النوبة حيث كان السادات رئيساً للمجلس فى ذلك الوقت ، فإذا به يحظى بحب الجميع له لحلاوة لسانه وطلاقة بيانه ..

وحدث فى إحدى الجلسات أن قام أحد الأعضاء وكان معارضاً للحكم بالهجوم الشديد على الحكم والحكومة ورئيس المجلس ..
فما كان من السادات إلاَّ أن أوقف الجلسة لاتخاذ إجراءٍ حاسم مع هذا العضو المتطاول على الجميع ..
وحدث هرجٌ ومرج فى المجلس ..

وهنا رفع الشيخ / ماهر يده طالباً الكلمة فأذن له بذلك ..
فماذا قال ؟
سيادة الرئيس :
أنت تعرف أننا هنا فى هذا المجلس نمثل الشعب بجميع طوائفه وعناصره ..
وأنت تعلم أن هناك كثيرٌ من الأفراد يعالجون فى مستشفى الأمراض العقلية والمصحات العقلية الأخرى ..
وهذا العضو والزميل الذى تحدث إنما يمثل هؤلاء الناس وهذه الفئة بالذات ....
وهذا هو قمة التمثيل الشعبى وقمة الديموقراطية .. ولذلك فإننى أرجو منك ومن زملائى الأعضاء العفو عنه وتصفحوا عمَّا قاله ..

وهنا ضحك السادات وضجَّت قاعة المجلس بضحكات جميع الأعضاء ..
وقال السادات :
خلاص يا شيخ ماهر .. ويُحذف ما جاء من كلام العضو من مضبطة المجلس ..

ولكن ..
وبعد انتهاء الجلسة إذا بالعضو يمسك بتلابيب الشيخ ماهر وهو فى شدة الغضب ويقول له :
لقد جعلتنى مجنوناً وأمثل المجانين فى المجلس ..
ولكن الشيخ ماهر ربَّت على كتفه وقال له :
( يا أخى لقد كنت ستفصل من عضوية مجلس الشعب فأنقذتك من هذا فاحمد ربنا على ذلك ) ..
وتدخل الأعضاء وفضوا الإشتباك وانصرفوا ..
وفى مجلس الشعب أيضاً كانت هناك مناقشة حامية عن المساواة فى الحقوق بين الرجل والمرأة ..
فوقف الشيخ ماهر وطلب الكلمة فماذا قال ؟
سيادة الرئيس أنتم تعلمون جميعاً أننى أمثل بلاد النوبة والنوبيين فى هذا المجلس ..
وأحب أن أعرفكم أن النوبيون هم أول من ساووا بين الرجل والمرأة ..
فحين يتحدث الواحد منَّا يقول للرجل ( أنتى ) ويقول للمرأة ( أنت ) ..
أبعد هذا مساواة ..؟
فضحك رئيس المجلس والأعضاء ..

ولكن :
ليس معنى هذا أنه كان دائماً مازحاً ..
فإن له فى المجلس صولاتٌ ومواقف حازمة .. وكان سديد الرأى .. وصاحب كلمة حقٍّ فى كثيرٍ من الأمور ..
ويُؤخذ برأيه فيها ..
وكان محبوباً من جميع الأعضاء ..

كان الشيخ / ماهر صديقاً حميماً لصالح جمال منذ الأربعينيات من القرن الماضى ..
وكانت تربطهما علاقة قوية ..
ولكن فى أوائل الخمسينيات رحل الأول إلى السعودية ليعمل هناك ..
فانقطعت المراسلات والخطابات بينهما لانشغال صالح جمال بعمله الجديد هناك ..
فكتب الشيخ / ماهر إسماعيل خطاباً هذا نصه :
أخى / صالح جمال ..
( كلاَّ إنَّ الإنسان ليطغى ، أن رآه استغنى ، إنَّ إلى ربك الرُجعى ) ..
أخوك / ماهر إسماعيل ..

فعادت المراسلات بينهما ودامت الأخوة والصداقة بينهما حتى لقى كلاًّ منهما ربه ..

*** دعته إحدى جمعيات المجتمع النسائية الراقية إلى إلقاء محاضرة عن ( المرأة فى الإسلام ) فى مقرها ..
فذهب لإلقاء المحاضرة وعندما جلس وجد أن النساء جميعاً فى الصف الأول الذى أمامه قد تعرَّت سيقانهن فقال لهن :
أريد أن أسألكم سؤالاً :
هل دعوتم ( ماهر إسماعيل ) لتعرضوا عليه هذه السيقان العارية ؟
أم دعوتموه لإلقاء محاضرة دينية ؟

أرجوكم غطوا سيقانكم هذه وإلاَّ فإننى سأنصرف فى الحال ..
فقام الجميع بتغطية سيقانهم ..
وألقى عليهم محاضرة نالت الإعجاب والتصفيق المستمر الذى لا ينقطع له ..

*** قدَّمَه الأستاذ / أحمد فراج فى التليفزيون المصرى فى برنامج ( نور على نور ) ..
فأحدث ضجة كبيرة فى جميع الأوساط ..

*** وكانت له أحاديث خاصة فى شهر رمضان من إذاعة أم درمان بالسودان ..

*** وكانت له ندوات فى موسم الحج فى منى وعرفات بالسعودية ..

** دُعِىَ لإلقاء بعض المحاضرات فى بعض دول الخليج .

======

إنَّ الحديث عن هذه الشخصية القديرة لا نهاية له ..
وحسبى هذه الكلمات القليلة عنه ..
وهكذا انطوى العَلَم العالم العلاَّمة والداعية العملاق ..
موسوعة العلوم الدينية .. صاحب البلاغة والفصاحة ..
عذب الحديث .. ذو الشخصية الجذَّابة ..
وسيد القوم فى مجالسهم ..
الحبيب المحبوب ذو الأصالة والعراقة النوبية ..
الشيخ / ماهر إسماعيل جاهين ..

رحم الله شيخنا وعمنا وحبيبنا .. إبن الدرِّ وبلانة ..
وأسكنه فسيح جناته .. جزاء ما قدم للإسلام والنوبة ..

وبارك الله لنا فى أبنائه وأحفاده وذريته وأهله وعشيرته من أهل بلانة الحبيبة العريقة ..
والسلام ..

[/size]

» الشيخ ماهر إسماعيل
» الشيخ يعقوب برهان
» الشيخ/ عبد الهادي يعقوب ( النوبة أرض وإنسان)
» الشيخ أحمد محمد السوركتي: الأستاذ والداعى
» العلامة الشيخ أرباب العقائد - مؤسس مدينة الخرطوم