أسرة ملوك ارقو في تاريخ السودان ....(القديم والحديث) حسن الملك.....
لا ندري الكثير عن الروابط الأسرية لملوك كوش ونباتا. ولكن بحسب المعلومات المتوفرة عن الملوك واسرهم منذ بداية العهد المسيحي نتأكد ان حكام المقرة كانوا ينتمون لأسرة واحدة وكانت عاصمتهم دنقلا العجوز ول نستبعد ان تكون نفس الأسرة قد استمرت في الحكم منذ ان توحدت المنطقة على يد أباطرة نباتا. ومما يؤكد صدق هذا الاعتقاد كون أسرة واحدة قد حكمت بلاد النوبة السفلى طيلة العهد المسيحي وواصلت حكمها في أجزاء من المنطقة حتى أواسط القرن الحالي بعد امتزاجها بعناصر عربية نوبية ممثلة بالكنوز. ولا ذكر لأي أسرة نوبية أخرى في المدونات التاريخية خلال الخمس قرون الماضية غير أسرة الزبير أو أسرة الملك كما تعرف حاليا.
وهناك في الواقع أكثر من سبب واحد - يجعلنا نتمسك بفكرة ان أسرة الملك الحالية في ارقو هي سليلة الأسر النوبية القديمة التى حكمت البلاد في أعالي مصر إلى الحد الجنوبي لمملكة المقرة. ولعل من اقوي الأسباب ما يلي:-
- تواتر أخبار أسرة الملك في المدونات التاريخية بصورة لا تجاريها فيها أسرة أخرى بالمنطقة.
- كون شهرة الأسرة لم تبني على أساس ديني على الإطلاق. ولكن على أساس سياسة وحكم . وهي ليست طائفية.
- كون أسرة الملك مازالت تحتفظ بنكهة نوبية جامعة لكل العناصر النوبية وفي نفس الوقت حاوية لملامح تراثية عربية أصلية وأجنبية. وهي ليست قبلية أو قبائلية.
- كون لاسرة الملك نمط حياة وتفاعل اجتماعي مميز عن حياة أنماط الأسر الأخرى. فهي تجمع بين اساليب حياة متباينة فيها النوبية والمصرية والعربية والتركية (كشاف - مجراب - سلوي - اكراد) ولابد ان يكون هذا التنويع ناجما عن عراقة متمكنة من خلاصات حقب طويلة من الاحتكاك والتفاعل مع تيارات حضارية مختلفة.
- والمهم هو نظرة العوام لأسرة الملك بأنها محلية ونوبية بحته منذ أقدم العصور.
لكل هذه الأسباب وغيرها التي سوف نفصلها فيما بعد نعتقد أن الأسرة النوبية الحاكمة باقية الى تاريخ اليوم رغم تقلص نفوذها المادي والسلطوي. أن أقوى أسباب استمراريتها هو أن النوبيين منذ البداية قد رفضوا الإذعان للسيطرة الأجنبية ما لم يظهر الأجانب احتراما للتراث النوبي من خلال مصاهرة حكامهم الحقيقيين.
وهكذا فعل الرومان والهكسوس والمماليك والعرب. وبقي التراث النوبي بفضل ذلك حيا في عموم ثقافته حتى الآن، متفاعلا مع كل ما يستجد في محيطه ومستوعبا له دون منازعة أو تنازع. وظل أسلوب المصاهرة الذي ينم عن مرونة حضارية وذكاء ثقافي هو بمثابة أنجع السبل لكسر شوكة الغزاة وابتلاعها كسماد يساعد في نمو وازدهار مهارات أسرة الملك في فنيات البقاء. ولو سلكت الأسرة مسلكا غير المصاهرة لما بقيت حتى الآن سيما وان الغزاة كانوا دائما أقوى من حيث العتاد ومؤن القتال. ولو أعتمد الغزاة على أسلوب العنف وحده وعالوا على تفوق سلاحهم لما حققوا مراميهم، سيما وان ظروف الحياة في المنطقة وتمسك النوبيون بتقاليدهم ، كانت كافية لدحر الأجانب مهما بلغت إمكاناتهم القتالية من تفوق. وكم من مرة عزا فيها الغزاة وفر ملك النوبة ليعود ويستعيد مجده بعد انسحاب الغزاة. وعليه لم يكن ثمة حل مريح للجانبين غير المصاهرة التى طالما ضمنت بقاء الحضارة النوبية حية في لغتها وتقاليدها.
متى واين بدأت مسيرة أسرة ملوك ارقو
لربما كانت البداية الرسمية أو النظامية في عهد نباتا وفي أي من المواقع التاريخية المهمة بين الشلالين الثالث والرابع. إذ لم تخرج دار الحكم عن هذا النطاق لبضعة عشرات من القرون. والاستثناء بالطبع هي مملكة علوة النوبية التى ارتبطت بشرق وغرب وجنوب السودان الحالي أكثر من ارتباطها بالشمال. ونؤكد ان اسرة الملك استقرت في وقت ما بدنقلا العجوز الذي أصبح عاصمة النوبادين والمقرة مجتمعين.
ثم انتقلت الى موقعها الحالي بجزيرة ارقو على مقربة من دنقلا الجديد الذي أقام فيه عسكر المماليك لحماية اسرة الملك من تعديات النبويين المستعربين من ناحية الجنوب أمثال الشايقية.
وجدير بالذكر ان جزيرة ارقو هي من أخصب المناطق النوبية طرا.
وطبيعي ان تختار أسرة الملك هذه المنطقة سكنا لها، لا لخصوبتها فحسب بل ولاستراتيجيتة موقعها في الوسط بين شمال النوبة وجنوبها.
نواصل ......