أحلام مزعجة - الرجل الرمز صالح عثمان الحاج

كتب الرجل الرمز الشيخ صالح عثمان الحاج ضمن مذكراته بعنوان ( أحلام مزعجة ) يوم الاحد الموافق 3 ديمبر 1961م ما يلى ( الشيخ ذلك الوقت كان مستقرا بالخرطوم ويعمل بجريدة الصراحة الجديدة والذى كان يرأس تحريرها الاستاذ محمود أبو العزائم )

منذ سنوات وأنا أعيش فى دوامة من القلق والتفكير وكانت بداية القلق عندما نشرت الصحف المصرية فكرة مشروع السد العالى عام 1952م ومع أن المسألة حينذاك كان مجرد فكرة خيالية لايمكن تحقيقها ومع ذلك فقد قرأت كلما كتب عن المشروع بل ونقلت الكثير منها فى كراسات ومفكرات خاصة وفى ورقات كنت أحملها فى جيبى لعدة أيام وبعد أن كبرت الفكرة بل تضخمت الى عمل مؤكد ثم الى اتفاق بين الحكومتين على اغراق بلادنا وبالاسف دون البحث عن مصير متفق عليه لكل أبناء بلاد النوبة ونصفهم هنا والنصف الآخر هناك !!
وكنت أقرأ وأكتب ثم التمس النوم باطفاء النور فأرى الخيالات تتجسم مع الظلام الى أن يتغلب النوم وأقوم مذعورا بالاحلام المزعجة وكنت أسجل الكثير منها ولو أنها ليست فى متناول يدى الان بسبب بعثرة أوراقى
وكان آخر حلم مزعج هو ذلك الحلم الذى رأيته ليلة الاربعاء الماضى 29 توفمبر 1961م أنقله هنا كما سجلته صباح نفس الليلة
المكان : غرب قرية أرقين وعلى مسافة عشرة كيلومترات جمع كبير من رجال ونساء القرية لم أستطع أن أتغرف عليهم جميعا ما عدا شخصين كانا بجوارى أو كنت بجوارهم وهما المرحوم شقيقى الحاج محمد عثمان ( الحاج محمد عثمان هو الشقيق الاكبر للشيخ وكان يعمل مفتشا بالسكة حديد وتوفى عام 1950م ) والعم عبد الرحمن محمود ( عبد الرحمن محمود هو رفيق درب الشيخ طوال فترات نضاله وكانا يجوبان الصحراء الغربية النوبية منذ فترات طويلة ودرسوها شبرا شبرا دون تخصص حتى كان الاهالى يقولون عليهم مجانين وتوفى العم عبد الرحمن عام 1963م)
وهناك عربا ت كبيرة متفرقة وخيام منصوبة وعمال يقومون بالحفر هنا وهناك 00 اهرامات عديدة من التراب المفور 00 لاأدرى متى بدأ العمل ولا أدرى كيف حضرنا نحن الى هذا المكان ورأيت العمال يجرون الى مكان معين الجميع يتحركون وأسرعنا نحن الثلاثة بدورنا الى هناك وأقبلت عربة كبيرة عليها ( ونش ) وأقبل علينا أحد العمال الصعايدة وقال أنهم وجدوا تمثالا كبيرا من الهب الخالص وأن الدكتور يقول أن وزن التمثال الذهبى يزيد عن 3 قناطير وأن طوله طول الانسان العادى واقتربنا من مكان الونش ونحن مندهشين وارتفع الونش يحمل التمثال وهو مغطى بقماش أبيض واتجهت أبصارنا نحوه وأزاح الهواء الشديد الغطاء عن التمثال الذى لمع بريقه القوى مع وهج الشمس حتى وضعت يدى على عينى واستيقظت من نومى مذعورا وحاولت ايقاظ ابنى عبد الوهاب( عبد الوهاب هو الثانى من أبناء الشيخ بعد أم كلثوم رحمها الله وكان يعمل وقتها فى بنك مصر ويسكنان سويا بالخرطوم ) الذى كان ينام معى فى نفس الغرفة ثم خرجت الحوش وتوضأت وصليت ركعتين ورأسى مكشوف وأصبت بصداع طوال يوم الاربعاء 0
وكان الصداع بسبب التفكير لتفسير لهذا الحلم العجيب وهل حقيقة أن موطننا يضم فى جوفه مثل هذا التمثال أو العديد من أمثاله 00 ولماذا نستبعد ذلك أيست أرض النوبة أرض الذهب !! ألم تكن هناك منافسة بين أجدادنا وفراعنة الشمال !! ألم يغتصب الفراعنة فى فترات مختلفة ذهب النوبة لتزيين معابدهم !! ألم يقوموا بنحت تماثيل للآلهة والملوك من حجر الجرانيت والحجر النوبى الابيض !! فماذا نستبعد أن يقوم أجدادنا بمنافستهم بصنع تماثيل من الذهب الخالص ويزينوها بالاحجار الكريمة الغالية وأنهم كانوا يملكون مادة لها من القوة الخارقة التى تكسب الذهب هذا اللمعان القوى 0
والغريب أننى لم أستطع أن أتبين جنسية الذين كانوا يقومون بالحفريات فى (حلمى هذا) حتى أننى لم أستطع أن أتذكر شيئا من الحديث الذى كان يدور بينى وبين العم عبد الرحمن محمود
( أطال الله بقاءه) وبين شقيقى الحاج رحمه الله والشىء الوحيد الذى تذكرته هو حديث العامل المصرى 00 والشىء الذى أخشاه هو أن تعثر بعثات الآثار الكثيرة التى لارقيب عليها وأن يهربوها كما فعلوا فى كنيسة فرص بأقدم أثر تاريخى فى المسيحية للسيدة مريم العذراء وللسيد المسيح وميكائيل حيث نقلتها البعثة البولندية الى بولندا 00 بولندا الشيوعية التى لاتعترف بالاديان السماوية 00 فما هى مقدار الخسائر التى سوف تتوالى علينا عن طريق هذه البعثات التى تدعى أنها تساهم فى انقاذ آثار النوبة من الغرق 00 أنها لاشك جسيمة وبالاخص من الناحية التاريخية وسوف لاندرك أهميتها الا بعد أن تستقر فى متاحف أوروبا وأمريكا 00 فواحسرتاه !!!

---